في المؤتمر الصحافي المنظم مساء الجمعة في مدينة بطرسبورغ أكد الرئيس الفرنسي اولاند بانه وفي حال تعذر صدور قرار من مجلس الأمن بشأن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري فإن فرنسا ستعمل في إطار تحالف دولي؛ أي أنه سيتبنى خيار معاقبة النظام السوري بعيدا عن دهاليز المنظمة الدولية.
فهيئة الأمم صارت رهينة فيتو الدول المنتصرة في الحرب الكونية الثانية ومنها فرنسا والولايات المتحدة المؤيدتين اليوم لضربة عسكرية محددة، ومركزة، وخاطفة غايتها كما يبدو شل فاعلية النظام السوري المتركزة بجيشه، وبقوة عتاده وترسانته الحربية الحائلة دون سقوط النظام أو اذعانه للحلول السياسية السلمية الآتية من الخارج.
شخصياً لا أؤيد خيار الضربة العسكرية كما ولا استطيع تقبل فكرة ان النظام العسكري الفاشي يمكنه اقتراف الفظائع بحق شعبه ووطنه ومن ثم لا ننتظر من دول العالم الحر أية ردة فعل إزاء هذه الجرائم اليومية في سوريا وتجاه الرغبة المجنونة في الحكم.
ومع كون المسألة السورية شائكة ومعقدة ولحد ان الواحد منا منقسم على ذاته، فمن جهة لا يرى في الضربة العسكرية الخارجية سوى أنها وبالا كارثيا على بلد عزيز وشعب شقيق، ومن ناحية أخرى لا يرى في فعل النظام غير أنها مأساة عظيمة يستلزمها يقظة ضمير الانسانية كي يتوقف النظام عن قتل وتشريد وتخريب شعبا ووطنا.
وإذا كان واقع الحال بهذه السوءة والكارثية؛ فإن الركون على هيئة الامم المتحدة أشبه بمن يعول على البيت العربي العتيق الجامع ل22دولة وعلم؛ فيما حقيقته انه اوهن واضعف من ان يحمي مجتمعا او ينصر قضية عادلة.
تصوروا ميثاق تم صياغته في سبتمبر 1945م من قبل أنظمة ملكية وراثية سلالية فاسدة ! ومن ثم يعتد به الآن كمنقذ لقرابة 400مليون إنسان عربي في 22 دولة متناثرة على خريطة أسيا وافريقيا أشبه بجمهوريات الموز؛ وكمحرر لفلسطين والجولان؛ وكمخلص لثورات الشعوب العربية الثائرة المغدورة والمنتهكة كرامتها وحريتها وانسانيتها.
منظومة الامم المتحدة تماثل لحد ما في نظامها وميثاقها المنظومة العربية، فبرغم حجمها الضخم ودورها الايجابي في القضايا المتعلقة بالتنمية والاغاثة الانسانية تستأثر بقراراتها السياسية المهمة دول التحالف الخمس المحرزة لنصر الحرب الكونية الثانية على المانيا النازية سنة 1945م .
فمن حينها والعالم مصيره رهن فيتو دول دائمة العضوية، فما من قرار دولي؛ إلا ويستوجب التوافق عليه قبل التصويت، لعقود نيفت الخمسة ودول البسيطة مستأثرة من الولايات المتحدة وحلفائها الاربعة المستملكين لحق النقض وأن بدرجة اقل وأخف وطأة من الاولى. انتهت القطبية الثنائية وحربها الباردة المستعرة طوال اكثر من نصف قرن، وولجت الانسانية مرحلة جديدة عنوانها الابرز نهاية عصبة الامم واقامة كيان دولي حديث على انقاض المنظمة العتيقة.
فإذا كان بيت العرب قد سلم مفاتيحه لمن يملك المال والذهب الاسود؛ فإن المنظومة الدولية انتزعت رأيتها ممن يمتلك القوة والسطوة والاقتصاد، لذا يمكن القول بان الحرب على العراق والارهاب قبل ما يزيد عن عقد مثلا بداية لانفراط عقد منظمة باتت من الماضي، فالسنوات المنصرمة اثبتت وبرهنت حقيقة التحالفات الخارجة عن سياق المنظومة الدولية، ففي الامس غير البعيد قادت الولايات المتحدة تحالفا عسكريا على العراق وافغانستان.
كما وشن حلف الاطلسي حربا خاطفة على النظام العائلي الديكتاتوري في ليبيا نصرة وتمكينا لثورة الشعب الليبي، وحررت فرنسا مناطق في مالي والتي استولت عليها جماعة القاعدة ناهيك عن اعتقالها للرئيس " غابغو " في ساحل العاج اثر تمرده ورفضه لنتائج الانتخابات الرئاسية.
ضف لذلك هنالك معركة شرسة تخوضها طائرات وفرق مكافحة الارهاب الامريكية في أكثر من بلد، فكل هذه الحروب والمعارك المحتدمة في الاغلب هي معارك وحروب مخاضة دونما تفويض صريح وواضح ومحدد من الهيئة الدولية التي وأن استدعت الضرورة الاخلاقية اقحامها في مشكلة او نزاع ما؛ فهذا الامر لا يتعدى ان يكون مجرد غطاء دولي اتقاء للإخفاق والكلفة المالية والبشرية التي يجب ان لا تتحملها دولة لوحدها ولو بوزن الولايات المتحدة.
لم يقل الرئيس اولاند صراحة بان مجلس الأمن بات مشكلة بذاته، فقادة عشرين دولة انهت لتوها اجتماعا لها في بطرسبورغ الروسية غالبيتها تعلم بان جيش النظام السوري هو من استخدم السلاح الكيميائي يوم 21اغسطس ومع ما تملكه هذه الدول من قرائن وادلة دامغة على النظام السوري مازال الرئيس الروسي بوتين يغرد خارج سرب الرؤساء المجتمعين.
فعلى خلاف نظرائه اتهم الجيش الحر بانه هو من استخدم الغاز الذي حصد قرابة 1700منهم 400طفل وفي منطقة خاضعه للجيش للحر وفي الوقت الذي يعلم الجميع بماهية السلاح المتواضع لدى المعارضة وماهية الصواريخ المتقدمة المطلوبة لإطلاق الغاز الفتاك ؟.
أيا يكن البيان الصادر عن قمة الدول العشرين؛ فما هو مؤكد أن مثل هذا البيان الختامي لن يفلح في إثناء امريكا أو فرنسا في حال قررتا معاقبة النظام السوري عسكريا ومن دون تفويض من الهيئة الاممية، فالواقع اننا إزاء كيان بيروقراطي وانتهازي مثقل بمشكلات وازمات الدول الخمس القوية المحتكرة لحق النقض أكثر من كونه هيئة دولية مهمتها الاساسية حفظ السلم والامن الدوليين واحترام سيادة الدول وحق الشعوب في الحرية والحياة الكريمة والعادلة.
فما يجري اليوم في العالم لم يعد ينفع معه التعامل بذات المنطق القديم القائم على توافق الدول الدائمة العضوية؛ إذ كشفت الحقبة القليلة المنصرمة عن تحالفات عسكرية ودولية ما كان لها ان تتشكل وتتعاطى مع الازمات الناشئة لولا أنها عولت على امكانياتها وقدراتها الدبلوماسية والعسكرية وعلى التزاماتها السياسية والاخلاقية.
على هذا الاساس صرت متيقنا بان المسألة لم تعد مقتصرة على ضربة لسوريا، او حربا على القاعدة، أو تحالفا على افغانستان والعراق؛ إنما المسألة برمتها تتعلق بتحركات وتحالفات دولية أكثر اهمية وفاعلية وديناميكية خارج سياق المألوف والمعتاد، كما والمسألة لها صلة بتاريخ جديد شُرع في كتابته وممارسته بعيدا عن مجلس الأمن ونقاشاته وتوافقاته العبثية المنتهكة لحق المجتمعات في الحرية والديمقراطية والعدالة والتغيير.
محمد علي محسن
هيئة أمم عفى عليها الزمن !! 1780