ما حدث في سورية ويحدث وسيحدث لم يكن سوى نتيجة طبيعية وتحصيل حاصل لسلسلة طويلة من الحماقات والأخطاء والخطايا التي ارتكبها نظام الأسد الابن الذى ورث عن أبيه حافظ الاسد عام 2000م زعامة الدولة وقاعدة للحكم تستمد منهجيتها من فكر حزب البعث الذي يقوم على الفكر الاحادي وسيرورة الالغاء لكل مختلف، بل إنه من يرى في المغايرة شذوذاً ينبغي اجتثاثه.. ولذلك فقد ذهب الأب مكرهاً الى الموت وجاء الابن دون أن يتغير شيء، فقد استمرت قاعدة الحكم بسورية في اجترار الأصل ذاته على مستوى الفكر والاسلوب والادوات والمضمون والتعامل مع منهجية ادارة الدولة حتى في اللحظات التي كان فيها العالم كله يتغير وأصبح التغيير حتمية تاريخية لا تقبل التأجيل او الترحيل.
ولأن بشار الاسد كان وريث أبيه في الحكم فإنه الذي لم يهتم بشيء بقدر اهتمامه بالمحافظة على كرسي الحكم الى درجة انه من قدم في حالات كثيرة آدميته وإنسيته كقربان من أجل البقاء على ذلك الكرسي الاجوف الذي يمنحه القوة والصولجان والتميز والجاه، ويضفي عليه البطولات في القنوات الفضائية الرسمية التي لا عمل لها سوى ان تكيل المديح للقائد الفذ والحزب الرائد.
وتحت تأثير الهوس بالسلطة فقد توالت خطايا الأسد واحدة تلو الأخرى فقد أخطأ حينما أدار ظهره لأبناء شعبه واختزل مصير سورية بمصيره.. وأخطأ حين صم السمع لنصائح العقلاء ومطالبتهم له بتحكيم العقل والابتعاد عن العناد والمكابرة والانفتاح على المطالب العادلة والمشروعة للسوريين الذين خرجوا قبل 30 شهراً عند بدء احتجاجاتهم السلمية ليس لدعوته الى الرحيل كما هو شأن من خرجوا في تونس ومصر وليبيا واليمن يرفعون شعارات إسقاط النظام حيث لم يكن هناك في سورية بفعل سطوة النظام وجبروته من يجرؤ على رفع مثل هذا الشعار حتى من يؤمن منهم بمشروعية ذلك المطلب، وبالتالي فقد تركزت مطالب السوريين على مناشدة النظام بالحد من هيمنة الاجهزة الامنية والقمع الذي تمارسه ضد المواطنين وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تعطي حزب البعث الحق في احتكار السلطة والحياة السياسية بصفة دائمة واستبدالها بمادة جديدة تتيح لكافة اطياف الشعب السوري ممارسة حقهم السياسي في نطاق الشراكة الوطنية.
ومن المفارقات المضحكة والمبكية انه وبدلاً من ان يتجه الأسد الى اخماد الحريق الذي بدأ دخانه يتصاعد في اكثر من مدينة ومنطقة سورية ويسارع الى البحث عن الانموذج الذي يصون وحدة سورية ويجمع مختلف التيارات والطوائف والتوجهات السياسية والحزبية تحت سقف الوطن عمد الى الحلول الامنية والاعتقالات والقتل الممنهج ووصم كل من يتظاهر ويطالب بالإصلاح بالمتآمر والخائن والعميل للصهيونية التي تسعى حسب وصفه الى زعزعة أمن سورية وروح المقاومة التي تحملها.
والأغرب من كل هذا أنه وفي الوقت الذي كانت فيه الأمم المتحدة تحذر من ان سورية تنزلق بسرعة في اتجاه الحرب الاهلية كان الاسد لا يكترث بما تثيره تلك التقارير الأممية بل إنه من بدا مصراً على الانزلاق بهذا البلد الى ما هو أسوأ من الحرب الأهلية بعد أن تضخمت في داخله (نظرية المؤامرة) التي لم تكن سوى تبريرا لعجرفته وغروره وشعاراته الفارغة التي ظل من خلالها يستخدم ورقة الصراع العربي الاسرائيلي كشماعة يعلق عليها نقائصه ورؤية نفسه وتقيمها بشكل صحيح ليشد وثاق الناس الى الباطل حين يقول ان ما يجري في سورية ليس سوى مؤامرة صهيونية وامبريالية، مع ان النظام السوري على مدى اربعين سنة من شعارات المقاومة والممانعة لم يطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل رغم احتلالها لجزء كبير واستراتيجي من أراضي سورية، بل إن اسرائيل هي من ظلت تقوم بعملياتها الحربية وطلعاتها الجوية فوق دمشق من دون ان تجد امامها اية مقاومة، فدمرت مفاعل دير الزور في مهده وقتلت شخصيات محورية من حلفاء واعوان الاسد في العاصمة السورية فيما كانت دمشق ترد في كل مرة ببيان شجب وتهديدات تتطاير في الهواء.
مشكلة الأسد ربما انه الذي يبدو منقطعاً عما يجري حوله وغائباً او مغيباً عن كل ما يدور في المشهد السوري، ولذلك فهو الذي لم يدرك حتى الآن انه وحده من يتحمل مآسي الكارثة التي حلت بسورية والحرب الاهلية التي تنخر في جسدها والتي خلفت حتى الآن أكثر من مائة الف قتيل ناهيك عن مئات الآلاف من الجرحى والمعوقين والأرامل واليتامى والملايين من المشردين في الداخل والخارج، وما يخشى منه هو أن تنزلق سورية الى التمزق والتشظي والتفتت فيما يظل الرجل لا يأبه بمثل هذا الانهيار وما سيفضي إليه من نتائج كارثية طالما بقي ممسكاً بكرسيه ومحافظاً عليه من ان يسقطه الغرباء وطائرات الناتو التي تتهدده اليوم بالويل والثبور.
قد لا يكون أحد من العرب مع أي هجوم أميركي على سورية لقناعة الجميع أن لعبة الموت التدريجي قد أدت الغرض المطلوب منها وأن ما يمكن أن يقدمه النظام السوري اليوم ليؤكد من خلاله براءته من استعمال السلاح الكيماوي لم يعد كافياً لإقناع الغرب بمثل هذه البراءة خصوصا وان ما يسعى اليه الغرب هو السيطرة على ذلك السلاح تمهيداً لانتزاعه من سورية نهائياً.. وها هي كل المؤشرات تدلنا على ان الغرب الذي صعد من لهجته ضد النظام السوري خلال الايام الماضية قد جعل من كل السيناريوهات مفتوحة بما في ذلك التراجع عن الهجوم العسكري في حال توصلت الاطراف وخاصة واشنطن وموسكو الى صيغة توافقية تؤدي الى السيطرة على السلاح الكيماوي السوري واغلب الظن ان الولايات المتحدة التي غضت الطرف على مدار العامين والنصف تجاه ما يجري في سورية لا يعنيها ما يرتكبه النظام السوري من مجازر بحق شعبه ولا يعنيها ايضاً ان تتشظى سورية إلى كنتونات علوية وسنية وكردية, كما ان ليس من بين استراتيجيتها إسقاط نظام الأسد وأن كل ما يهمها هو الوصول الى السلاح الكيماوي الذي يشكل تهديداً لإسرائيل.
النظام السوري دمر بلده أما هو بنفسه وأما بعجزه عن حماية وطنه من المؤامرات الخارجية المزعومة فهو في كلا الحالين مسؤول عن هذه المأساة الدموية المستمرة والحرب المدمرة وهو من اعطى للغرب المبرر لتحقيق اهدافه في سورية.
الرياض
علي ناجي الرعوي
سورية بين خطايا الأسد وانتهازية الغرب!! 2237