يبدو أننا وصلنا لزمن انقلبت فيه كل المفاهيم رأساً على عقب وانعكست وتبدلت كل المعاني, فما ألفناه في زمن ولى وانقضى صار مجرد وجه للمقارنة ليس إلا مع ما هو حاصل اليوم وما كان في زمن فات.. نعرف أن مخالب الفقر قاتلة وتغرس أوجاعها على كل مقهور ارتضت له الأقدار أن يصاحبها في رحلة مضنية يشد فيها عليه وثاق الحرمان وليل طويل ينام فيه بلا عشاء.
إنما ما يحدث اليوم في واقعنا يجعلنا نقر أن الفقر لم يعد بالمعنى المألوف, جوع وحرمان وثياب ممزقة وبطون تنام ليلها دون عشاء وتصحو في نهارها لا سقف يؤويها سوى سقف البكاء والحاجة التي تجعل العزيز المضطر يمد يديه بينما روحه تتمزق في الوقت نفسه..
الشحاتة صارت مهنة وموضة وفساد أخلاقي وقيمي وعصابات تتفنن في تضخيم الكذب والزيف وتهرب إلى الكسب السريع ولا دخل لما يحدث اليوم بفقر أو حاجة أو عوز أو بأرواح وأفئدة ممزقة, ففي بلد نسبة الفقر فيها اكثر من 70% لا عجب أن نشاهد الكثير من الشحاتين على الأرصفة والذين اتخذوا الشحاتة مصدر مدر للربح السريع إلا أن الملفت تزايدهم في الآونة الأخيرة بشكل خطير ينذر بكوارث وجرائم وكأن الشعب كله صار يمتهن هذه المهنة.. ولم تقتصر الشحاتة على الشحاتين المحليين وحسب, بل أُضيف إليهم شحاتين أجانب منهم من جاءوا من القرن الأفريقي وأيضاً من الدول الشقيقة كسوريا, حيث انتشروا في كل مكان في الشوارع والجولات والحارات والأسواق وغيرها.
الدولة وحدها هي المعنية في المقام الأول بهذه القضية الخطيرة.. فكما سمحت لهم بالتدفق وبأعداد كبيرة على البلد, عليها أن تتكفل بهم لا أن تتركهم يهيمون في الشوارع ويفاقمون من معضلة كبيرة لم نستطع ونحن بمفردنا أن نجد لها حلاً, فما بالكم وقد تفاقمت بوجود هذا الكم الهائل من الشحاتين الأجانب في المدن اليمنية..
وأعتقد أننا لم نصبح بعد بلد صناعي وفائض الغنى كي نأوي لبلدنا كل من هب ودب, هذا ليس كرم يا حكومتنا الموقرة إنما استهتار وعدم احترام لنا كشعب اكل الفقر منا وشبع.. إن كنا نعتقد أنها مسالة شحاتة ونغض الطرف عنها ونمضي لحال سبيلنا, كما هي عادتنا دائماً وأبداً, فنحن واهمون جداً وأغبياء أيضاً, لأن الموضوع أكبر من ذلك حيث أصبحت الشحاتة تفرز مشاكل أكبر منها كل ثانية منها الانحراف والفساد الأخلاقي والجريمة والمخدرات والقتل والتهريب والاغتصاب.. الخ, والتي أصبحنا نرى الكثير من هذه المساوئ والاختلالات ولكم يتم التغاضي عنها من الجميع. إلى متى يتم السكوت على هكذا كوارث تهدد مجتمعنا وتنذر بكوارث كثيرة, بينما الجهات المسئولة لا تحرك ساكناً ولا حياة لمن ننادي.. إلى متى يا ترى؟.. أفيدونا.
سمية الفقيه
شحاتة آخر زمن.. موضة وفساد وانحلال أخلاقي 1494