أخشى ما أخشاه على الغد من أن تؤل الأمور فيه إلى غير ما كنا نريده من طموح يحقق بعض ما قامت الثورة من أجله، وأن يكون القادم عودة إلى الوراء بفعل السياب المنتشر كوباء على أرض بلادي، فيما الادعاء من المسؤولين, أن كل شيء على ما يرام, هو المسلسل الذي لا ينتهي وهو ما يجعل العثرات تتوالى والفساد يحقق رقماً قياسياً, وكل في مسئوليته يعمل خارج القانون وبمزاجية يتقنها لوحده, وكأن المرفق الذي يتولى إدارة شؤونه مقاطعة خاصة به..
هذا ما نراه اليوم, فيزيدنا ألماً وخوفاً من قادم فيه القوى التي فقدت مصالحها تتحفز للعودة من فشل الراهن وقد صار كله إخفاقات، وأينما يممت وجهك لا تجد ما يمكنه أن يشيع فيك التفاؤل ويجعلك تصدق أن ثورة قامت وتغييراً حدث..
ونحن حين نشير إلى ذلك إنما ندق جرس إنذار لمن يتولون شؤون البلاد والعباد، ليعملوا شيئاً يستحق أن يعيد للدولة هيبتها وللإنسان أمله المفقود, والذي بفقدانه يزداد إحباطاً ويأساً يقوده إلى فوضى عارمة وإلى لامبالاة, مما يعزز من تواجد السلبي ويمنحه الحضور الذي يتمناه..
هذا ما ينبغي فهمه وإدراكه حتى لا يقع الفأس في الرأس, وحتى لا نصل بالوطن إلى منحدر خطر لا يفقه معناه إلا من يرون بعين فاحصة ما يجري من تقطعات وضرب أنابيب نفط, واقتتال هنا وهناك, وفساد مستمر, وصحة متدهورة, وتعليم بلا منهجية ولا منهج, وكهرباء متقطعة, وماء لا يتدفق, وأرصفة مطباتها وحفرها هي الأكثر وهي الوجه الحقيقي للوطن المنكوب, وبيئة كل ما فيها ملوث, فالهواء ملبد بالغبار والقراطيس وكثير من القمامة ومخلفات البشر هي التي تقدم نفسها, مع تصفيق حار وإشادة بالمسؤولين على محافظات الجمهورية وأمانة العاصمة, وهي إشادات نفاق وزيف وكذب لابد من محوها حتى لا تبقى شهادات زور تفضي إلى تداعيات قد توقع كل النظام في مهاوٍ مخيفة..
نشير إلى ذلك كنصيحة للنظام حتى يخرج من الدائرة المغلقة ويشتغل على الإنجاز الرد العملي والقوي في وجه كل من يتربص بالوطن سوءاً.. أما إن بقي الحال كما هو فسنرى حينئذ غضباً جماهيرياً غير معهود قد يطال الذين تربعوا على مقاليد الأمور وذهبوا إلى معالجة أوضاع أشخاص وليس قضايا وطن, وكان جل همهم كيف يحققون مكاسب تخص هذا الحزب أو ذاك على حساب قدرات وكفاءات يجري تجاهلها وإقصائها, لكونها فقط لا تنتمي لهذا الحزب أو ذاك, وعليها أن تبقى في المجهول لا يعبأ بها ولا يتم إشراكها في عملية البناء والتحول نحو الأفضل، ربما لأنه ليس ثمة بناء ولا تحول غير ما هو مدارات ومجاملات, وهذا يتبعنا وهذا ليس منا, لندخل الوطن في دائرة المجهول وتكون الكذبة الكبرى هي (الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية) التي نادت بها الثورة الشبابية السلمية, وقد جرى السطو عليها وإدخالها في أزمات لا تقدر على فهمها.
وأستغرب كثيراً كيف يمكن لمخرجات الحوار الوطني أن تكون ناجحة في ظل أوضاع ليست جيدة ومناخات ليست صحية وكل ما هو موجود لا يتفق مع الطموح؟.. وكيف لهذا الحوار أن يحقق شيئاً من المرجو بمسؤولين هم التعب كله, وهم من قدموا أسوأ صورة في إدارة الدولة بعد النظام السابق, رغم أنه كان بمقدورهم تحقيق معدلات نجاح كبيرة بالقياس إلى أن التحدي السابق المتمثل في نظام الزعيم صالح كان كله إخفاقات وكان من السهولة بمكان عمل شيء يبرز هذه الحكومة وجعلها الأفضل من سابقاتها..
لكن ذلك لم يحدث مع الأسف الشديد, وهو ما يدعونا إلى القول: بأن القادم لن يكون يسيراً وستجد مكونات العمل السياسي نفسها, وقد فقدت مصداقيتها وتم إقصاؤها, إدانتها إن لم تتدارك الراهن وتعمل بوتيرة متسارعة من أجل الوطن.. ولعل التجربة السابقة بعد حرب صيف 1994في إدارة الدولة خير مثال حين تحمل (التجمع اليمني للإصلاح) وحتى اليوم إخفاقات تلك المرحلة وتم إشهار الكثير من أخطاء النظام السابق ليتحملها (الإصلاح), وجرى على إثر ذلك محاسبته بحملات إعلامية ضارية, لكونه لم يحدد موقفه من سلبي في تلك المرحلة.. وذات المعنى سيحدث في القادم مع أي حملات انتخابية، وستكون القوى الحزبية التي تدير اليوم الدولة هي الخاسر إن وجد من يكشف إخفاقاتها ومحاباتها ومداراتها للسبي واختياراتها المريضة في مسؤولين لا يفقهون غير الولاء لهذا الحزب أو ذاك وليس للكفاءة معنى مطلقاً..
وربما يصفنا من نشير إليهم أننا موتورون وحاقدون، وهو ما دأب عليه النظام السابق الذي تعامى عما كنا نطرحه ليضع كل نقد مسؤول في خانة الارتهان والحقد على الثورة والجمهورية والقائد الرمز, حتى وصل إلى ما وصل إليه من انهيار شامل.
وبنفس القدر نحن نقول لمن يمتلكون القرار: راجعوا التجربة التي أنتم فيها, وتداركوا السلبي قبل فوات الأوان, ولا تعميكم عواطفكم وانتماءاتكم الضيقة عما يجب اتخاذه من قرارات هادفة تحقق قدراً من التطلع المرتجى.. عبروا بصدق عن توجهاتكم الوطنية لتعيد للربيع خضرته, فالجدب احتل المكان والزمان وصار كل شيء قابلاً للانهيار, فالنصر الذي تريدونه وتطمحون إليه لم يأت بعد, لأنه فعل وإنجاز وتحقيق معدلات تنمية تشير إلى تغيير حقيقي، أما إقصاء النظام السابق فليس سوى أقل من خطوة لما هو مطلوب.
محمد اللوزي
لمن يمتلكون القرار: تداركوا السلبي قبل فوات الأوان!! 1445