خروج شباب مصر في يناير 2011م مثل طالعة بوادر لثورة جارفة كادت تأتي على نظام صنع بالجبروت والقهر الذي طال المصريين وكل العرب بحكم دور مصر المصدر للتأثير لكل المنطقة العربية التي تتسم بدوام التأثر بالحدث المصري على مر العصور, وهذا ما يبرر انحياز الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة لطرف الانقلابين على الرغم من فظاعة الجرائم الممارسة في حق الشعب الرافض له.
تعامل نظام مبارك مع ثورة يناير بنفس أسلوبه المعتاد من خلال استخدام كل وسائل الإرهاب ضد الشعب الثائر في يناير, فكان إصرار الجمهور الهائج يزداد وعزائم الناس ترتفع وأشواقهم للحرية والأمن والديمقراطية والحقوق المتساوية كقيم عظيمة تستحق أن يبذل شباب مصر أرواحهم من أجلها. مما جعل الكهول في الدولة العميقة يراجعون موقفهم في ممارسة العنف المؤجج للثورة ويلجأون إلى الأسلوب الآخر من أساليبهم الدائمة وهو الخداع من خلال مهرجان الانحياز للمطالب الشعب, من خلال قيام العسكر والدولة العميقة بإبعاد مبارك عن المشهد ومن ثم حل الحزب الوطني بهدف التخفيف من الوهج الثوري الذي كان قد بدأ يأخذ طريقه إلى كل مصر- أرض وإنسان- وتفويض سلطته لنائبه سليمان الذي عين في ساعات ترتب احتوى بوادر الثورة القادمة بعنفوان كبير, بصفته الرجل القوى في الدولة العميقة التي أدار رجالها المرحلة من ذلك اليوم إلى اليوم بحيث عملوا خلال تلك المرحلة على مجابهة الإرادة الثورية وترويض الجماهير من خلال تعطيل كل ما قد يؤدي إلى تحقيق الإرادة الثورية من تعطيل الدستور وإلغاء البرلمان وصناعة الأزمات وصولا إلى مرحلة إحراق الثورة و إزاحة ما تبقى من رمزيتها المتمثلة بالرئيس المنتخب بإرادة الشعب الثائر كأخر مكتسبات 25 يناير و إعادة العسكر والدولة العميقة إلى واجهة المشهد لقتل روح الثورة التي كانت قد بدأت الحياة تسري بجسدها بعد عقود من الكبت والإرهاب وما حدث ويحدث منذ الانقلاب من قتل بتلك الأساليب التي جعلت العالم يئن لبشاعتها وما تلاها من ملاحقة للقيادات الثورية والاعتقالات المتصاعدة في صفوف قيادات الثورة بتهم ملفقة والحكم عليهم بالسجن المؤبد أو لفترات طويلة تصل إلى أربعين عاماً كنوع من الانتقام, كما أن المحاكمات العسكرية التي نتج عنها تلك الأحكام تذكرنا بالحقب التي حكمنا بها الناصريون.
وهذا كله يؤكد حقيقة استمرار رجال مبارك والحزب الوطني بإدارة مصر حتى في ظل وجود البرلمان المنتخب الذي كان يمثل الإرادة الثورية والذي تم إلغاؤه وكذا خلال العام الذي تولى مرسي قيادة البلاد . مما يوحي احتفاظ الكهول بحنكتهم التي اكتسبوها خلال العقود الماضية من إدارتهم للبلاد .
مما لا شك فيه ولا لبس أنهم استطاعوا إرباك مسار الثورة وتأخير خطاها, لكنهم في حقيقة الأمر لن يستطيعوا إخمادها, لان جذوتها إرادة الحياة المتقدة في ضمائر شباب يناير المسرجة بدماء زملائهم وأحبابهم وأقاربهم الذين رحلوا عنهم في ركبها شهداء سيظل خيالهم يسكن حياة هذا الجيل الصاعد لعقود قادمة مما يوحي بميلاد ألامه القادم من بين أشلاء الراكعين الذين سقطوا أمام نادي الحرس ميلاد مرصع بذرات الرماد المتطايرة في إفناء رابعة والنهضة من بقيا الأجساد المحروقة هناك والتي أراد رجال ما يسمى (( الدولة العميقة)) من خلالها العودة للتاريخ بصورة أكثر بشاعة وفظاعة .
كما أن ما يؤكد استمرار نظام مبارك في الحكم من يناير 2011م حتى اليوم هو الإفراج عن القتلة والمجرمين الحقيقيين ومن بما فيهم مبارك كأهم رمز من رموز الكهول بعد أيام قلائل من فض مجزرة رابعة والنهضة و هلوكوس طره.
الانقلاب على الرغم ما خلف من جراحات في جسد الأمة عامة والمصرين خاصة, إلا أن فيه بوارق أمل ومكامن للخير منها :ـ
ـ إن ميلاد الأمة القادم سيكون طاهراً نقياً من الشوائب القادمة من أسواق النخاسة من أولئك الذين تفرحهم جراحات الأمة و تطربهم أناتنا.. الذين دائما ما نراهم يبنون مجدهم على أنقاض جماجم أبناء الأمة عبر مراحل التاريخ .
ـ الانقلاب بيَّن مدى بطلان اعتقاد المصرين وإيمانهم الراسخ بوطنية الجيش والقضاء المصريين وأن حقيقة الأمر أن هاتين المؤسستين لا تعدو سوى عن كونهما وكراً لرجال الدولة العميقة.
نشوان الحاج
مصر.. الكهول يخمدون ثورة الشباب 1327