لنبتعد قليلاً عن السياسية الرعناء وعن هوائها العفن وأجوائها المكتظة بالفوضى والملبدة بغيوم الماكايدات والمناكفات والأحقاد.. ولنترك عالمها قليلاً ونريح أذهاننا من التفكير في المتخاصمين وفي مشاكلهم وفيما ستؤول إليه نتاجات حواراتهم وخططهم, وما ترمي إليه أفكارهم ونواياهم أكانت حسنة أم خبيثة..
دعونا ننام قريري الأعين, مطمئني الأفئدة, مستريحي الأرواح, ونصفي أذهاننا من ذلك التشويش والتفكير الغير مجدي في تلك الألاعيب والأساليب التي ينتهجها السياسيون, وكيف يفكرون وإلى ماذا سيفضون, وكيف سيتفقون, وهل سيتفقون؟ وووووو.. وتلك التساؤلات التي نعجز أحياناً أن نطرحها على أنفسنا, لأننا نعلم جلياً أن لا إجابات شافية لها مهما تفنن السياسيون في إقناعنا بها..
دعونا من هذه السياسية الهوجاء والملعونة والتي أحالت الكل إلى أفاكين ومنافقين و(خراطين) وبات الكل يفصلها وفق هواه ويلبسها الآخرين حتى وإن لم تكن ذات مقاساتهم, ويجبر البعض على القبول بها والرضوخ لكل ما سينتج عنها, أكان فيها مصلحة للعامة أو الخاصة أو تدمير لشيء من حياة مستقرة وهدوء هشة إن وجد..
لندع البسطاء يهدأون قليلاً من زيف السياسيين (وشطحهم) وادعاءاتهم الكاذبة بمعرفة فنون التحايل والكيد والكيد الآخر والزج بكل جديد في عالم التظليل وقصم الظهر وشق العصا وإيقاع الآخر في حبائل الخسران والهلاك.. لندع البسطاء يهنئون قليلاً بباقي أيامهم التي أنهكها طول الانتظار والترقب وتغير الحال والأحوال واستقامة عود الساسة والسياسة الأعوج الذي لن يستقيم طالما وكل من أنخرط في عالم السياسة لابد أن يصيح كاذبا حتى يجيد اللعب مع كبار (الكذابين).. دعونا.
لنترك قليلاً القيل والقال والسؤال عن ما يدور في أذهان الآخرين, وبماذا سيفكرون وملاحقة زلاتهم وتصيد أخطائهم وقراءة ما يخفون بين ثناياهم وتحليله وفق ما يمليه علينا الحقد والغل والانتقام والكره لكل من يعادينا أو يغايرنا في تفكيره وفي نهجه وربما يعد العدة ( ليتغدأ بنا قبل أن نتعشى به) حسب المثل الشائع.. فنجد ونجتهد ونشمر ونجزل من عطاء الكلمات وحبر الأقلام وطول الصفحات على أمل أن نظفر بشيء يسير من تفكير الآخر تحت مسمى قراءة ما بين السطور..
دعونا من كل هذا ولنترك الخلق للخالق ولنترك الخلائق تسير في أفلاكها دون أن نغير ذلك المسار المرسوم لها والنظام الرباني الذي أوجدت به ولا نشغل أنفسنا ونشغل الآخرين بمشاكلنا وهمومنا وأحزاننا ولنكف عن(نشر غسيلنا) أمام الآخرين, ونظهر لهم عيوبنا ورجعية عقولنا وتحجر أفكارنا ودناءة خططنا وقذارة أفعالنا..
دعونا من كل هذا ولنغفو على ذكر الله وألسنتنا تلهث بذكره وترجو مغفرته وستره وفرجه, ولندعو لكل المتخاصمين والمتناحرين بالصلاح, ولنطهر قلوبنا وننقي صدورنا ونغسل أفئدتنا من كل شيء, ولنصحو على أنسام الصباح وأشعة الشمس الدافئة, وعلى أصوات العصافير وعلى تمايل المروج وتموجها والتي تبعث على السرور والانشراح والسكينة والهدوء..
دعونا.. لأننا والله سئمنا ومللنا من السياسة وأهلها والمتناحرين من أجلها والمتخاصمين في سبيلها, سئمنا من القتل تحت مسماها ومن القطيعة تلبية لرغباتها, ومن الأحقاد انتقاماً لشرفها وكرامتها , ومن التحريض وفاء لأواصر العلاقة والقرابة بينها وبين أهلها..
والله سئم الكل, حتى الأوطان ذاتها سئمت وملت من ساستها وتلعنهم ليل نهار حينما اتخذوها هزواً و(مسخرة) وادّعو حرصهم عليها ووصلهم لها وهي لا تلقي لهم بالاً ولا بوصلهم أو خوفهم أو حبهم, وجل ما ترجوا أوطانهم أن يتركوها في حالها وتسير على طبيعتها وفطرة أهلها بعيداً عن كل ما بعكر الصفو ويكدر الحياة ويقلق السكينة.
فهد علي البرشاء
دعونا من السياسة!! 1124