تتساقط الأمطار في موسم مبارك, وتهتز الأرض لتنشق في سويعات قليلة عن زغب عشب أخضر, سرعان ما تعلو سيقانه لتغدو شتلات رقيقة تتمايل مع نسمات هواء بلادي العليل, والذي يخترق شغاف روحي لتفنى في الوطن الغالي!..
هواء ساحر يتخللها ممتزجاً بعرف رفات أجدادي, وعرق أولادهم, وعطر شيوخهم المعتق, ودموع صغارهم, ولهاث كهولهم, وأمل يتحدر من همة شاب متوثب لغد أجمل, وعبق زهور الوديان, وفوح أريج الثمار الجبلية المتفردة الرائحة والمذاق..
وخبر سار تزفه إحداهن لي عن عرس صديقة, وختم تلميذة للمصحف, ومنزل صغير يستوطنه ساكنيه بحفل بهيج.. وصبح تلو صبح, يرسم زخم الحياة وبهجتها في الأحداق..
الصغار الذين بالأمس فقط كانت خطاهم تتعثر, يكبرون, ويذهبون للمدارس.. أصوات صخبهم في الصباح تعزف لحناً ثرياً بسيمفونية التكرار.. سنة الحياة.. يحمل بعضهم مصروف جيب كبير, والكثيرون لا يحملون سوى كسرة خبز, غير أن الجامع لهم هو الشعور بالسعادة وصفاء القلب.. كنا يوماً ما مثلهم, ونملك ذات قدرتهم على الابتهاج بأصغر الأشياء والتنعم بقلوب بريئة!..
يعودون في المساء وينطلق سؤال بريء: هل عادت الكهرباء يا ماما؟.. ليس لشغفهم بمتابعة أخبار القتل والدمار, وما يحدث في ردهات الحوار, بل هو شغفهم ببرامجهم الطفولية المسلية!.
الوطن بمفرداته الصغيرة, كان, وما يزال جميلاً.. رغم كل شيء ستستمر الحياة فيه, وتستمر القدرة على الفرح في كل نفس مؤمنة.. وسنبقى نحن البسطاء, البعيدون عن العالم العلوي وصراع السلطة المقيت, سنبقى نستمتع بالوطن, ونسعد فيه, ونفرح به, ونضمه بحنو الأم بين جوانحنا, ونضمد جراحه, وننتظر الغد الأجمل بأمل أكبر, ونشكر الرب برغم كل المحن!!.
نبيلة الوليدي
سيبقى الوطن جميلاً 1275