إن تعثر أو انتكاسة عملية التحول الديمقراطي في دول ثورات الربيع العربي، سوف يكون لها تأثيراتها السلبية على التحول الديمقراطي في دول عربية أخرى، حيث ستوظف النخب الحاكمة في هذه الدول هذا الوضع لحساب تعزيز سلطاتها، وتحجيم القوى المطالبة بالديمقراطية.
ولعل جميع الأمم و الشعوب تراهن دوما على الشباب في كسب رهانات المستقبل لإدراكها العميق بأن الشباب هم العنصر الأساسي في أي تحول ديمقراطي أو سياسي أو اقتصادي او ثقافي او اجتماعي, باستثناء البلدان العربية التي تسيطر فيها القوى التقليدية والقديمة على كل شيء، وبالتالي كان للقوى فرصة الالتفاف أو التصرف بالصور الأمر الذي سهل عملية التدخل الخارجي, كون القوى السياسية مثلها مثل الأنظمة الدكتاتورية مرتهنة بالغرب.
إن النظم السياسية الهجين موجودة في مناطق مختلفة من العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهى لم تعد تشكل في غالبيتها مرحلة للانتقال إلى الديمقراطية المستقرة والراسخة، بل أصبحت تمثل نمطاً من النظم السياسية القائمة، حيث استطاعت التكيف مع بيئتها والحفاظ على قدر من الاستمرارية، وأصبح يُنظر إليها من قبل قطاعات واسعة من النخب والجماهير على أنها حل مؤسسي لمشكلات السلطة والحكم، ولذلك فإن قدرة هذه النوعية من النظم على الاستمرار لفترات أطول تبدو كبيرة.
وقد ذكرت دراسة نُشرت عام 2002 أن أقل من 20 دولة من بين حوالى 100 دولة شهدت تحولاً ديمقراطياً في ظل الموجة الثالثة يمكن اعتبارها حالات ناجحة بشأن تأسيس نظم ديمقراطية وظيفية ومستقرة، وهناك دول قليلة شهدت انتكاسة أو ردة أفضت فيها إلى ظهور نظم تسلطية جديدة، فيما جاءت غالبية حالات التحول ضمن المنطقة الرمادية أو الضبابية. وأكدت هذه النتيجة دراسات أحدث اهتمت بتقييم تجارب التحول الديمقراطي في بعض مناطق مختلفة من العالم.
أن العوامل الخارجية لعبت دوراً هاماً ليس في دعم التحول الديمقراطي بل في دعم وترسيخ النظم التسلطية فالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الغربية – وفقا لأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. حسنين توفيق إبراهيم, قامت بدور كبير في دعم ومساندة نظم مستبدة على مدى العقود الماضية طالما استمرت هذه النظم تتوافق مع مصالحها، أى أن سياسات هذه القوى تجاه المنطقة العربية قامت في جانب هام منها على أساس التضحية بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان لحساب المصالح المتمثلة بالأساس في النفط، وأمن إسرائيل، وضمان استمرار نظم موالية للغرب في سدة الحكم
ولذلك فإن جهود واشنطن وغيرها من الدول الغربية من أجل نشر الديمقراطية في المنطقة أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عانت من معضلة «عدم المصداقية»، لاسيما وأنها سرعان ما تخلت عن هذا النهج عندما بات في حكم المؤكد أن أية انتخابات تتسم بدرجة يعتد بها من النزاهة في دولها سوف تأتى بالإسلاميين إلى سدة السلطة أو تعزز مشاركتهم فيها، وعلى خلفية ذلك، لم تعد قضية الديمقراطية في المنطقة ضمن أولويات واشنطن خلال معظم سنوات الولاية الثانية للرئيس بوش الابن، واستمر هذا النهج هو الغالب على سياسة إدارة أوباما.
الآن يبقى الرهان قائما على القوى في العربية في إنجاح التحول الديمقراطي في البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي.
إيمان سهيل
الرهان القائم 1162