كان أبي يحلم لي حلما بعد التحاقي بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء أن أصل إلى درجة الأستاذية (أستاذ دكتور في القانون) في سن أربعين عاماً, ذلك أن قانون الجامعات يحدد الدرجات العلمية لأعضاء هيئة التدريس كالآتي : - مدرس بعد الحصول على الماجستير - أستاذ مساعد بعد الحصول على الدكتوراه - أستاذ مشارك بعد خمس سنوات مع تحقق شروط معينة - أستاذ دكتور بعدها بخمس سنوات أخرى مع تحقق شروط معينة لم يكن أبي فقط عاملاً مساعداً له تأثيره الفاعل في الوصول اليوم إلي درجة أستاذ مشارك بل كان لآخرين دور مماثل لا يقل أهمية عن دور أبي الذي تحقق جزء كبير من حلمه اليوم وان تأخر جزء بعض الشيء, فذلك يمكن التسامح فيه وقبوله إذا ما راعينا ظروف واقع اليمن والوطن العربي. أن وصلونا اليوم إلي هذه الدرجة العلمية الهامة والمؤثرة ليس على المستوى الشخصي بل على المستوى العام بالنسبة للدولة والمجتمع اليمني قاطبة يحتم علي اليوم أن أقول لكل هؤلاء عيدكم مبارك الذين اهديهم بهذه المناسبة هذا المقال البسيط تعبيرا معنويا عن جهودهم التي بذلوها معي وعلى وجه الخصوص: - أستاذي الدكتور دائل المخلافي أستاذ القانون الإداري بكلية الشريعة والقانون - أستاذي الدكتور ماهر صالح علاوي الجبوري أستاذ القانون العام بكلية القانون جامعة بغداد - أستاذي الدكتور ثروت عبد العال احمد أستاذ القانون العام بكلية الحقوق أسيوط لم يكن اهتمام أستاذي الدكتور دائل المخلافي أستاذ القانون الإداري بكلية الشريعة والقانون بي في السنة الثانية في مادة القانون الإداري نابعا من علاقة شخصيه تربطه بوالدي الذي كان يومها زميلا له في كلية الآداب أو احد أفراد عائلتي في كليات أخرى من جامعة صنعاء ولكن لأنه كان يملك خبرة أكاديمية وقدرة علمية كبيرة في توجيه الشباب نحو التخصصات التي تناسب قدراتهم وميولهم وإمكانياتهم الذاتية لقد كان له دور كبير لا ينسى في تشجيعي على السير في طريق البحث العلمي فكان على الدوام يفتح لي نافذة الأمل نحو الأستاذية في القانون الإداري. كما أن أبي كان يحرص دائماً على توجيهي نحو البحث العلمي بعد ملاحظته لتفوقي العلمي بكلية الشريعة والقانون وحصولي على احد مراكز الأوائل سنويا في الكلية وغزارة الشهادات التقديرية التي كان يمطرنا بها اتحاد الطلاب طيلة فترة دراستي بالكلية لتفوقي العلمي . ولإدراكه خلال فترة دراستي للسانس أن مجال البحث العلمي هو المجال الأنسب لتوظيف قدراتي العلمية ومهاراتي الذاتية وان كان في واقع الأمر لا يبذل شيئا على ارض الواقع سوى انه كان فقط يحلم لي ويترك لي عملية التنفيذ مع بعض النصائح التي كان يصر على تنفيذها في ضرورة متابعة السير على هذا الطريق. عندما تعينت معيدا في كلية الحقوق كان تخصصي الذي وضعني فيه الدكتور عباس الجنيد مؤسس الكلية في جامعة تعز هو تخصص قانون إداري ورغم انه بعد ذلك كان هناك بعض التنافس حول تغيير التخصص ورغم أن الدكتور عباس خيرني بين القانون الإداري والقانون المدني إلا أني اخترت القانون الإداري. وبعد إيفادي لدراسة الماجستير في كلية القانون جامعة بغداد وجدت فرصتين رائعتين كان لهما ابلغ الأثر في بناء شخصيتي العلمية هما: الأولى: أنني انتهلت من فقه القانون الإداري وربطت بين نظرياته وأحكام القضاء الإداري الفرنسي فتحقق لي بذلك أساسا مترابطا في فقه القانون الإداري. الثانية: لقائي بأستاذي الدكتور ماهر صالح علاوي أستاذ القانون الإداري بكلية القانون جامعة بغداد وتعرفي عليه خلال السنة الأولى من دراسة الماجستير الذي كان يشجعني كثيرا على إتمام رسالة الماجستير منذ السنة الأولى من دراستي ويمكن تحديد أسباب ذلك بالاتي: الأول: حرصي على الجانب العملي ومتابعة الأحكام ووزارة العدل العراقية منذ السنة الأولى لدراسة الماجستير الثاني: أن اهتمامي بهذا الجانب سيحقق فائدة كبيره للواقع القضائي العراقي في مجال تأديب أو انضباط أعضاء السلطة القضائية وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك. لم تكن استفادتي من أستاذي الدكتور ماهر صالح علاوي الجبوري في الجانب العلمي فقط وهو من علمني أبجديات البحث العلمي ولكن كان أيضا على مستوى التعامل في الوسط الاكاديمي حيث استقيت منه أساليب تعامل الأستاذ الجامعي مع طلابه وكيف يحقق العدالة والمساواة بينهم دون تمييز . ليس ذلك فحسب بل كنت أتأمل الجانب الإنساني في تعامله الذي كان يمثل بعدا أساسيا لابد من مراعاته عند طلابه في الدراسات العليا . فضلا عن شخصيته التي تأثرت بأصولها العربية حيث يبد واضحا في كثيرا من تعاملاته المبادئ العربية الأصيلة التي قلما نجدها في عالم اليوم. وفي مرحلة الدكتوراه في دراستي في كلية الحقوق جامعة أسيوط لا يمكن ان لا أتذكر أستاذي الدكتور ثروت عبدالعال احمد الذي كان له دورا كبيرا في بناء شخصيتي العلمية ليس فقط في الجانب العلمي حيث استفدت منه كثيرا ولكن على مستوى التعامل الأكاديمي وبناء الشخصية الأكاديمية القادرة على تسيير نشاط الجامعات وبنائها على أسس علمية حديثه ومتطورة. وابسط شيء ممكن أن أقوله لهم و أنا الآن أتذكرهم بمناسبتين الأولى حصولي على درجة أستاذ مشارك في القانون الإداري قسم القانون العام والثانية قدوم عيد الأضحى المبارك أن أقول لهم "عيدكم مبارك وعساكم من عواده"
د. ضياء العبسي
مبارك عليكم العيد! 1993