جنس الإنسانية أو البشرية يتكون من عنصريين أو مركبين هما: الذكورة والأنوثة (والله خلقكم من ذكر وأنثى) فالذكورة والأنوثة عنصران أو مركبان ماديان بامتياز، فالذكورة لها جينات وراثية مادية تميزها عن الأنوثة وهذا التميز -مثلا- نلمسه حتى في التركيب العضوي الفسيولوجي الجسدي، حيث تميل الذكورة إلى الخشونة الجسدية في مقابل نعومة جسد الأنثى. إن ما أريد أن أصل إليه من التوطئة السالفة أن الفوارق بين الذكورة والأنوثة في الجنس الإنساني تبرز واضحة جلية في جوانبها المادية فقط والتي تخص /الحياة المادية/ للإنسانية، لكن فيما يخص الحياة الأهم (حياة القيم) فلا يوجد ثمة تميز يميز الذكورة عن الإنوثة؛ أي لا يوجد سمات معيارية فطرية في جانب القيم تبين النظيفين من الرمم؛ بل تصور الإنسان للحياة برمتها هو الذي يرفع من شأن إنسان ويخفض من شأن آخر. فقيمة "الرجولة" - مثلا- تقرأها الأغلبية الإنسانية قراءة مغلوطة؛ حيث تختزلها في "الذكورة" فتطلق أو تخلع مفردة "الرجولة" على كل الذكورة؛ لتصبح هذه الممارسة الخاطئة الكاذبة في ميدان الحياة الإنسانية القيمية أشبه بالخطأ الشائع في ميدان اللغة. فقد ألحقت قيمة الرجولة بالذكورة وفصلت عن الأنوثة مع أنها قيمة تنخلع على الجنسين معا في حالة التغير والتطور الإيجابي في كل من الذكورة والأنوثة؛ فالقيمة تكون دائما عالية مترفعة لا تخلد إلى الأرض؛ لأنها مشتقة من "القمة", أي أن "دالة الرجولة" ترمز للتغير والتطور الإيجابي في الجنسين، ولما كان التغير والتطور الإيجابي غير مقصور على الذكور دون الإناث؛ فإنه بإمكان الجنسين معا الارتقاء بالحياة المعنوية لديهما حتى يصلا إلى قيمة وقمة الإنسانية المتمثلة في قيمة "الرجولة" التي يعلو سقفها سقف قيمة الإيمان إذ الرجولة كما سنفهم لاحقا يأتي ترتيبها بعد الإيمان. فالرجولة إذا قيمة لا تقبل الاحتكار بل توهب لمن يريدها وتتطلع نفسه إليها فيصل إليها الذكر وتصل إليها الأنثى، لهذا نجد امرأة توصف بأنها رجلة وذكر رجل، فقيمة الرجولة مثلها مثل قيمة الإيمان كلاهما معنويتان؛ أي أن لفظ المؤمنين قد يأتي في سياق ما ويقصد به أناسا مخصوصين من الذكور والإناث، كقوله تعالى -مثلا- (من المؤمنين رجال) فمفردة "مؤمنين" ومفردة "رجال" في هذا السياق ليست مقصورة على بعض الذكورة دون بعض الأنوثة بل هي تخص البعضين معا؛ فأيما امرأة تحققت فيها صفة الصدق والتضحية بروحها في سبيل الله فإنها تدخل ضمن هذا التأهيل الرباني "الرجولة"؛ كما أننا نفهم من الآية الكريمة أن سقف قيمة الرجولة يعلو سقف قيمة الإيمان لتكون الرجولة درجة أو قيمة أخص من درجة أو قيمة الإيمان؛ لهذا يصح قولنا: "كل رجل مؤمنٌ" ولا يصح أن نقول: "كل مؤمن رجلٌ" فالرجولة أخص لذلك وصل إليها الأقل من جنس المؤمنين. ومن هنا يتبين فداحة الخطأ الشائع الذي اختزل الرجولة في الذكورة أو الفحولة منها؛ لأن هذا الخطأ يترتب عليه خطأ آخر وهو التقليل من شأن المرأة التي نختزلها في الأنوثة دون الرجولة؛ بمعنى أن الذين يقرؤون الرجولة فحولتها أو يختزلونها فيها؛ سوف يقرؤون في المرأة أنوثتها أو جسدها ويغيبون وعيها الذي تكمن فيه قيمتها أو رجولتها، فالمرأة قد تفضل مائة ذكر أو ألف أو تزيد -قيمة- بمعنى أن المرأة الرجلة تفضل قيمة جميع ذكور العالم الذين ضلوا ذكورا ولم يصيروا رجالا أيا كان عددهم؛ وهذا ما نقرأه أو نتبينه في قوله تعالى متناولا "سياق القوامة" (الرجال قوامون على النساء) فذكر مفردة "الرجال" دون مفردة الذكور" يخصص القوامة في القيمة أو في الرجولة التي ترتقي إليها بعض الذكورة؛ إذ لا يمكن أن تتحقق القوامة في دلالتها الشاملة في ذكورة الدم المنسلخة عن القيم، فالقوامة بمعناها الشامل لا يملكها ولا يتقنها ألا "رجال" لا ذكور ومن هنا تأتي خطورة الخلط بين قيمة رجولة ومادية ذكورة!!. أتفهم - آسفا- أن مفردة "رجل" في العصر الحديث صارت لصيقة بالماديات منفصلة عن القيم؛ فأصبحت تطلق -مثلا- على كل من استطاع كسب الأموال من الذكور، وبناء الدور، وشراء القصور، وافتعال سياسة الكذب والمغالطة ومن ثم العبور، إلى غير ذلك من النجاح الذكوري في مستلزمات الحياة المادية حتى أصبح الاعتداء على الآخرين بالضرب أو القتل يدون تحت سقف "رجولة" أضف أن البعض صار يختزل الرجولة في الشنب وعراقة النسب وإتقان آلة العزف وأجادت الرقص والطرب اللهم لا عجب !! لست أدري هل يدخل هذا الخطأ الشائع في فهم "قيمة الرجولة" واستعمالها أو إطلاقها على كل من هب ودب تحت مسمى العرف الاجتماعي حيث هكذا تداولها عامة الناس في المجتمعات الإنسانية تحت سقف الماديات بحسن نية ؟ أم هو تقصد لتغييب القيم خاصة وأننا في سياق أصبح تسيده مقصورا بين الرويبضات والتافهون والرمم وعديمي الأخلاق والقيم !! أيا كان السبب فإنه فهم قد أهدرت بسببه أو تقصد تغييبه كرامة المرأة فصارت بين أمة تبتاع وتشترى وعارضة أزياء، إن السياق الذي أهدرت فيه المرأة فصارت أمة هو السياق نفسه التي أهدرت في قيمة الأمة لتصبح الأمة وسيلة لغواية الأمة سياق غُيبت فيه القيم وسلخت الإنسانية عنها؛ لتصبح في صورة الآلية التي تبرمج حسب الأهواء والرغبات الشيطانية؛ سياق صارت فيه المرأة - المكرمة والمعززة إسلاميا- وسيلة دعاية إعلامية حتى لأمواس الحلاقة وبقية متاع الدنيا، ففي سياق تختزل فيه الرجولة في الذكورة لا بد أن تقرأ فيه المرأة أو تختزل في النزوة الجنسية وتصبح وسيلة هامة وأساسية لغواية الرجل/الفحل الذي لا يرى في الأنثى ألا جنسها أو ما دون رأسها، لهذا صنعت منها السياسة العلمانية مجرد نشوة أو نزوة وإن شئت قلت "شبكة صيد" تصطاد من خلالها قيمة الرجولة فتختزل في الفحولة التي تستفزها الأنوثة. للأسف هكذا أصبح وأمسى دور المرأة ووظيفتها في ظل سموم السياسة النجسة الظالمة المظلمة ، السياسة التي فصلت عن مصدر الطهارة والنور والعدل (سياسة الإسلام)؛ فهذه الأخيرة إذا جعلت من المرأة مدرسة هداية للإنسانية فإن الأولى جعلت منها وسيلة غواية؛ فبعد أن اختطفت رجولتها استغلت أنوثتها فحشرتها في كل شيء قبيح وعرتها من كل شيء جميل !!.
د.حسن شمسان
عندما غُيِّبت الرجولة 1286