معضلتنا تكمن في أننا ننادي إلهنا بالعظيم وننسى معنى العظمة لنقترف الحقارات فنهون في نظر العظيم إذ لا يكبر في نظره غير العظماء؛ وأنّى لذوي العظمة أن ينظر إلى ذوي الحقارات الصغار، نسأله بأن يغّير حالنا بطريقة الآملين أو الحالمين ونسينا أو تناسينا أن سنن الكون تقف إلى جانب العاملين؛ فنسأل الله الكبير المتعال - تطفلاً - بأن يشغل أعداءنا عنا ونحن مشغولون عن الله وعن أعدائنا بدنيانا وذواتنا وحاجاتنا الصغار في حين أن شغل أعدائنا الشاغل بنا لأجل الدنيا، وعندما يكون الشاغل واحد هو "الذات والدنيا" لدى الفريقين فإن المنتصر -حسب النواميس الكونية ـ من اتخذ أسباب الانتصار والقوة؛ والقوة في عصرنا بيد الباطل!
ولو تأملنا قرآن إلهنا الحكيم, فقد سن للتغير السنن والنواميس التي هي أشبه بمشاعل تهدي الثائرين؛ ويخطئ من يظن أن التغيير يحدث بالعواطف والمشاعر؛ ولو تأملنا تلك السنن أو قوانين التغير الذي لا تحل معادلات التغيير إلا بخطواتها؛ لما توقفنا برهة عن العمل ولما اسقطتنا عواطفنا في فخ الأمل الًي زاد ألمنا وإيلامنا..
إن العزيز الجبار المنتقم ذي البطش الشديد لا يغير العالم لصالح الحق بقوته وبطشه بل باتباع نواميس وبذل أسباب وكان يكفينا من ذلك دلالة (وهزي إليك بجذع النخل تساقط عليك رطبا جنيا) لا تحتاج هذه الآية ـ التي تضع للتغيير قاعدة من كثير شرح ـ ثم إن العزيز القوي خاطب العمالين بقوله (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) وكأن القوي يقول لنا لا تركنوا إلى قوتي ابتداء بل لا بد من بذل الأسباب فمن يبذل الأسباب لأجل الغلاب فإن القوى قد تتوازن ويحصل الألم في جانب أهل الحق الذي لم يكسبهم العمل الدؤوب الحصانة حصول الألم.
فكيف بحالنا هذه الأيام وقد أفضى بعضنا إلى "الأمل" تاركا العمل ليطبب نفسه بعبارات الأول التي نلمسها في عبارات الله كريم( الله موجود) الله عزيز ذو انتقام... الخ!!.. إن أمثال هؤلاء لم يفهموا نواميس الكون الإلهي التي أعطت لحزب الباطل, فرصة التفوق على أهل الحق لأنه أعمل فكره وأخذ بسنن التحول والتفوق؛ وإلا كيف نخرج دلالة قوله تعالى -عن أصحاب الباطل: (فإنهم يألمون كما تألمون) بيد أن الفارق أنكم ترجون الآخرة وهم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا).
والله الكريم فيما يخص (ظاهر الحياة) يمنحه للجميع, لكن بشرط بذل الأسباب "إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الآخرة إلا من يحب" نأسف عندما نتفوه بعبارة "الله كريم" ونحن نجهل حتى قانون الكرم؛ إذ الكريم لا يمنح إلا الكريم الذي يبذل أسباب الكرم؛ أليس من المعيب أن نسأل الكريم ولسان حالنا يشتكي منه الشح في سياق التضحية بالوقت والمال والنفس، ونتلفظ بأن الله عزيز ذو انتقام ونجهل قانون العزة؛ فنبخل بقليل من شجاعتنا لنبدي الجبن المطبق (اذن لي ولا تفتني) فنعجز أن نقف ضد المنكر حتى بألسنتنا بل إننا قد نرتضيه بقلوبنا ونجالس المستهزئين بالدعوة والدعاة إلى درجة أننا قد نبتسم تحت قانون المجاملة لهم!..
إن الله عزيز ذو انتقام نعم ولكننا رضينا حياة الذل والهوان ومددنا أيدينا إلى (عزيز مصر وغزيز سورية وعزيز اليمن) (ذق إنك أنت العزيز الكريم) فرضينا بأن تُخلع ألفاظ العزيز على العبيد ورضينا بالذلة والهوان ولم نأخذ بثمة سبب من أسباب العزة التي تجعل العزيز الوحيد لا سواه يلتفت إلى حالنا ، نسينا القانون الإلهي الشامل الذي يتحقق عن طريقه فقط التغيير الحقيقي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الذل والهوان والخنوع والشح والتثاقل والتباطؤ في تلبية نصرة الحق. إن الذي يعمل على شاكلة الأمل ولا يريد أن يدخل نفسه في طائلة أو تبعات العمل فإنه يريد أن يحصن نفسه من الألم؛ وهذا يضل ينتظر أن يحصل التغيير بعصى سحرية أو بآية (كن) الإلهية وهذا لشعري جاهل جاهل جاهل بالسنن الإلهية والنواميس الكونية !!
د.حسن شمسان
الأمل .. أضمن حصانة من الألم (!) 1229