لقد جاءت موجة الثورات والانتفاضات العربية لتثبت عدم صحة المقولة التي روج لها البعض كثيراً، ومفادها أن التغيير السياسي في المنطقة العربية لا يمكن أن يحدث إلا بتدخل خارجي على غرار ما جرى في العراق عام 2003، وذلك بسبب رسوخ النظم التسلطية، وإحكام قبضتها على مفاصل الدول والمجتمعات بالاعتماد على أدوات ووسائل أمنية واقتصادية وإعلامية من ناحية، وضعف وهشاشة أحزاب وقوى المعارضة السياسية من ناحية أخرى.
لقد أثبتت الشعوب العربية أنها قادرة على إحداث التغيير السياسي دون حاجة لتدخل خارجي، بل إن قوى خارجية غربية حاولت عرقلة هذا التغيير، ففرنسا أعلنت عن دعمها لنظام بن علي خلال المراحل الأولى للثورة التونسية، كما أن واشنطن ظلت مترددة في دعم الثورة في كل من تونس ومصر، ولم يتغير موقفها هذا إلا بعد أن باتت مسألة سقوط النظامين شبه محسومة. ناهيك عن المعايير المزدوجة التي اتبعتها قوى غربية عديدة في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بشأن التعامل مع الثورات والانتفاضات العربية.
ولكن إذا كانت الثورات والانتفاضات في الوطن العربي قد جاءت بإسلاميين إلى سدة السلطة في دول مثل مصر وتونس والمغرب فإن هذا التطور يطرح سؤالاً مركزياً يتعلق بمواقف القوى الغربية تجاه الحكومات الإسلامية المنتخبة. وبغض النظر عن خلفيات علاقة القوى الغربية ومواقفها من الإسلاميين خلال العقود الماضية.
في ظل المعطيات الجديدة التي تشهدها المنطقة باتت قوى غربية عديدة على قناعة بأن من مصلحتها رسوخ الاستقرار والديمقراطية في المنطقة ولو حتى على الأجلين المتوسط والطويل.
ويتمثل العامل الحاكم هنا في مدى قدرة القوى والأحزاب السياسية على تأسيس نظم ديمقراطية استناداً إلى توافق وطني حقيقي.
وفى ظل وضع كهذا يمكن لبعض القوى الغربية أن تسهم بأشكال مختلفة في دعم عمليات التحول الديمقراطي في البلدان العربية، لاسيما وأن التجارب المقارنة للتحول الديمقراطي على الصعيد العالمي تؤكد أن العوامل الداخلية هي الحاسمة في إطلاق عملية التحول ورسم مسارتها المستقبلية، وأن دور الخارج مساعد، بل إنه لا يؤتى تأثيراته إلا إذا كانت هناك عوامل داخلية مساعدة على ذلك، فالديمقراطية لا تُفرض من الخارج، ولكن تنمو وتتطور مرتبطة بالتوازنات والمعطيات السياسية والاقتصادية ،والاجتماعية، والثقافية الداخلية.
وأكدت الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي على أن هناك جملة من القضايا والإشكاليات ذات الصلة بعمليتي التحول الديمقراطي، وترسيخ الديمقراطية. وقد تفاوتت قدرات الدول في التعامل مع هذه القضايا والإشكاليات استناداً إلى عوامل عديدة منها درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي، ومدى استقرار وكفاءة أجهزة الدولة ومؤسساتها، ودرجة تطور قوى ومنظمات المجتمع المدني، ومهارة الفاعلين السياسيين الرئيسيين في إدارة عملية التحول الديمقراطي من خلال تحقيق توافق سياسي بشأن الهوية الوطنية للدولة وقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية التي يجب أن تكون محل قبول واحترام .
فعندما تجمع النظم بين بعض عناصر الديمقراطية، وبعض عناصر التسلطية، أي لا تكون ديمقراطية مستقرة وراسخة، ولا تسلطية مغلقة بالكامل.
ويرجع ذلك- بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. حسنين توفيق إبراهيم - إلى عوامل عديدة رسوخ بنى وهياكل التسلط والاستبداد وصعوبة تفكيكها خلال فترة زمنية وجيزة، وتشرذم القوى السياسية والحزبية، وضعف أجهزة الدولة ومؤسساتها في عديد من الحالات، وزيادة حدة الاستقطاب الديني والطائفي والسياسي، وغياب التوازن السياسي بين الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية في عديد من الحالات، و سوء إدارة عملية التحول خلال المرحلة الانتقالية، وضعف منظمات المجتمع المدني، وغياب أو ضعف ثقافة الديمقراطية على مستوى المجتمع، بل وعلى مستوى النخب السياسية أيضاً.
إيمان سهيل
هياكل التسلط راسخة 1377