العقل الإنساني يختلف - بتصوري - جذريا عن الفكر أو الوعي؛ فالأول جبل أو موجود بالفطرة في حين أن الثاني لم يجبل بالفطرة بل هو رهين المشيئة التي هي - بتصوري- مشيئتين: الأولى مبادرة والثانية مكافئة؛ فالمشيئة الإنسانية..
أولا (المبادرة) ومن ثم المشيئة الإلهية ثانيا (المكافئة) (يؤتي الحكمة من يشاء) وللمشيئة على التصور الأول دلالتان: أي في حالة صدق المشيئة المبادِرة في طلبها لها فالله ـ الذي يمتلك المشيئة المكافئة ـ يعطيها حسب صدق صاحبها وتلهفه وسلوك طريق النواميس والسنن الإلهية حتى يستحق منحها وهذا الصدق من المبادرة وتلبية الطلب من المكافئة يفسره آخر الآية (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) فالله بنى الفعل للمجهول لتأكيد أن هناك مشيئتين تتجاذبان طرفي "الحكمة" وعود للموضوع: فالوعي في صدقه هو تلك الحكمة التي يمنحها الله الصادقين ويصرفها عن المنافقين! لهذا ليس كل عاقل حكيم بل كل حكيم عاقل، كما أن الحكمة لا تحصل بالذكاء الصرف بل هذا الذكاء المرتبط بالعقل المحض عامل مساعد على البحث في أسرار النقل لبلوغ الحكمة وعليه نقول ليس كل ذكي حكيما لكن كل حكيم ذكي... ولك أن تقيس ذلك على كل شيء؛ فمثلا علم البرادعي لا يرشحه لأن يكون ذا لذكاء نفسه في حل معادلات الحياة فقد تجده فاشلا بامتياز في ذلك لأن حل معادلات الحياة المعقدة يحتاج إلى عقل حكيم وليس عليم فالحصول على الحكمة رهين النقل وليس العقل، لهذا لن تقود الإنسانية إلى بر الأمان إلا سياسة الإسلام وإسلام السياسة..
وعليه فصياغة العقل غير مقدور عليها, لكن المقدور عليه هو توفير السياق أو المقام المناسب زمانا ومكانا وأدوات, والعقل الإنساني سوف يصيغ وعيه بنفسه مع الاحتفاظ بقيمة التوجيهات من العقل الحكيم للعاقل الذكي لأن الحكمة نور والعقل وعاء لها ومن يمتلك الحكمة يستطيع أن يفيض من نوره على من يريد أن يسلك طريق الوعي مع العلم أنه يستحيل صياغة الوعي بعيدا عن نقل خالق أو صانع العقل؟ فالذي يصنع هو وحده يعرف كيف يدار المصنوع.. وجهل الإنسان أن العقل الإنساني مفطور على الحرية ومن ثم عقله يتفاعل مع الحجة المقنعة وليس مع الغلظة المفزعة..
لهذا نقول للعلماني لقد تناقضت مع علمانيتك ابتداء وانتهاء لأنك تمجد العقل وتقدسه وتعرض عن خالق العقل أو صانعه لتلقي نقله وراء ظهرك فما أعظم عيّك وما أسخف عقلك !!..
د.حسن شمسان
العقل غير الوعي .. والخلط بينهما عيّ (!) 1263