الدكتور الشهيد فيصل المخلافي الذي كان وجهه البشوش يصافح قبل يده؛ عرفته مرحا لا تفارق الابتسامة محياه؛ جمعتنا به في مصر قيم العلم والثورة على الجهل والتخلف؛ فأبى قديسوا الجهل والتخلف إلا أن يواروه وعلمه الثرى. كنا نلتقي كثيرا في مصر لكن عندما عدنا إلى وطننا فرقتنا مآسيه، حيث حصلنا على شهادات عليا فأبى قدسوا التخلف إلا أن يخفضوا هممنا قبل شهاداتنا، فعلى الرغم من الصداقة التي جمعتني بفيصل المخلافي إلا أن وضع وطننا المتخلف الذي أذاقنا لباس الجوع والخوف فرق بيننا منذ أن عدنا؛ فكانت أول مرة التقيته بعد رجوعنا من مصر - وقد جعلها القتلة آخر مرة- في تعز (جولة وادي القاضي) قبل عاميين ونيف تقريبا، جمع بيننا -صدفة أو قدرا -حب الوطن حيث التقينا في إحدى مسيرات الثورة العظيمة المباركة في الحالمة تعز، وبعد أن انتهت المسيرة انتهت المقابلة وما كنت أظنها أنها ستكون إلى الأبد ؛ حيث تفاجأت الليلة بقتله.
والقتلة كأنهم يهدفون من قتل الدكتور فيصل بالذات إلى قتل رمز علمي يحقق بقاء أميتهم أو جهلهم خاصة وأن رسالته تناولت "المجتمع المدني في اليمن" تتناقض مع سياسة التجهيل والتخلف، وكذلك قتل رمز اجتماعي ليثور ثأر شيخ مشائخهم وفي الوقت نفسه تخمد جذوة ثورتهم في تعز الحالمة؛ تعز التي بدأ يتحقق حلمها بيمن جديد؛ والتي كان لها السبق - ولا فخر - من بين بقية المحافظات في وضع أو تشييد أول "مقعد صدق" لثورة التغيير والإصلاح والذي سمته (ساحة الحرية) الساحة التي مثلت أول شرارة مضيئة لثورة التغيير الثانية في اليمن؛ فكان الرد من قديسي الجهل والظلام أن كانت الساحة نفسها هي أول ساحات اليمن التي أضرم فيها الظلاميون شراة الظلم والظلام ؛ لنشهد "هلكوست" نازي المملكة الصالحية في ساحة الأحرار بقصد محاولة إركاع أحرار تعز من جديد؛ ومن يومها والحقد يملأ "مضخة دم " زعيم العصابة حنقا على تعز العزة والكرامة ومقتا لها، فلم يكتف بمحرقة الهلكوست بل سعى مرارا في محاولة قرع طبول الحرب بقصد إشعال سعير الثأر بين محافظتين متطاولتين في تاريخ اليمن ثقافة وحضارة /تعز ومأرب/، إنه يمارس سياسته الماجنة ؛ سياسة التجهيل بقتل رموز العلم وسياسة التخلف بإذكاء نار الثأر بين قبائل ومحافظات اليمن، لم يستفق من جهله وتخلفه الذي ضل يقتات عليه ومنه زمنا طويلا؛ لهذا ما زال يقرأ الشعب اليمني العظيم بالقراءة الجاهلة والمتخلفة نفسها!!
على رسلك أيها الجاهل المتخلف إنها تعز عاصمة النور والعلم والثقافة إنها ستنفي جهلك وتخلفك كما تنفي النار خبث المعادن، -وإن كنت متيقنا بأنه ليس لك معدن فكلك خبث- وإذا كانت تعز عاصمة النور ؛ فإن مأرب تضل عاصمة الحضارة السبئية والحكمة اليمانية التي لا تخضع للنعرات العنصرية المقيتة المميتة، فيا قديس الجهل والتخلف إن اليمن العظيم بكل محافظاته وثكناته ورجالاته لم يعد متخلفا وفي الوقت نفسه قد خبر جهلكم وتخلفكم ووسائلكم المتعفنة فأنتم وراء قطع تيار الكهرباء وإذا استطعتم ذلك فأتيقن أنكم عاجزون تماما عن فصلنا وتيار الإباء؛ أتفهم أنك عجزت تماما في حرف وعي اليمنيين وحكمتهم عن عظمة ثورتهم؛ ولأنك جاهل ومتخلف ظننت أن اليمنيين يرون عظمة الثورة بعيونهم ولم تفقه ولن تفقه يوما أننا نرى الثورة وعظمتها بوعينا لا بعيوننا؛ وسنقدم لأجلها الغالي والنفيس بل قلبنا الدامي سيرخص لأجل وطننا واستمرار ثورتنا، فخذ منا ما شئت ولتحرق كل أوراقك ولتستنفد كل طاقاتك فإن وعينا بأهمية الثورة وأهدافها لن ينفد ما بقي فينا نفس ينبث وقلب ينبض.
فرحمة الله تغشاك أخي وصديقي الدكتور فيصل فأنت لم تمت وإنما قضيت شهيدا لأنك لم تطأطئ رأسك يوما بل شمخت إرادتك دهرا ولم يهتز إيمانك بضرورة التغيير والإصلاح، فالحياة الدنيا ليست نهاية المطاف إنما هي مرحلة عبور إلى عالم الحقيقة الذي لا يزول. فهنيئا لك الحياة الأبدية؛ لقد ظن قديسوا الجهل أنهم أماتوك وما فقهوا -لأنهم لا يفقهون- أن الله قد كتب لك الحياة الأبدية على أيديهم الآثمة بانيلك الشهادة التي تخطيت بها لحظة الموت. فالله أسأل أن يتقبلك في الشهداء الذين قال فيهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فالشهيد -حسب شهادة القرآن- يتخطى لحظة الموت التي كتبت على الإنسانية، فأحسبك شهيدا حيا عند الله (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) والله أسأل أن يلهم أخاك الشيخ حمود - الذي لم أعلم أنه أخوك ألا عند موتك- ويلهم جميع أهلك الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون؛ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) فأنت بشهادتك لم تحيَ وحدك إنما قد أحييت ثورة وأمة بعدك تنتظر و ترمق دربك.
د.حسن شمسان
قتلوا شيخ العلم.. ليثور ثأر شيخ المشايخ (!) 1267