كان الشاعر العربي الأبي ينشد في العيد حصول الجديد؛ لأنه يعيش الخيال؛ فيؤمن أكثر بالتغيير بل به يختال؛ ففي عالم أو سياق الخيال الذي يعيشه يقبل فكرة التغيير الإيجابي فيه كل الحالات ولا تعجزه حتى المستحيلات؛ لهذا لم يرض في العيد بسرور قد تآلفت عليه الحياة الاجتماعية؛ فطالبه بالجديد أو على الأقل توقع ذلك على أرض الواقع؛ فقال: [عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيه تجديد].! والشعراء ـ وهم يغرقون في الخيال الأجمل ـ كان يحتويهم واقع جميل وواقع عيد أجمل من واقعنا الأمر؛ ففي اليمن - مثلا- لم يغادر واقعنا "معنى العيد" فحسب بل غادر خيالنا وخيال أطفالنا؛ فإذا كان بعض الغرباء والعرب العرباء يتناقشون: حول مكان قضاء عطلة العيد: أفي الأرض! أم في الفضاء؟ وآخرون منهم ذلك يتخيلون! فإن واقعنا أصاب خيالنا بالعجز والقصور؛ فإذا كان العالم يفكر قضاء العطل في الفضاء فإن خيالنا أو غاية حلمنا أن نعيش العيد بأنس الكهرباء؟!. هذا خيال الكبار! فماذا عن الأطفال - فهم ـ أيضا صاروا مثلنا يحلمون ويتخيلون، بيد أنهم أبعد من خيالنا يذهبون؛ فلم يعد الأطفال - كباقي أطفال الدنيا- يحلمون - مثلا- باقتناء أفضل الألعاب وأكبرها حجما وأحدثها موديلا أو شكلا، بل صار يعصف بخيالهم تساؤل خفي مخيف: هل سيترك العبث والفوضى حياة آباءنا حتى فرحة العيد "يحيون" لا "يتمتعون" أم ستخطف تلك الفوضى آباءهم من حيث لا يشعرون؛ ففي العيد - مثلا- أبنا الطيارين والأكاديميين ييتمون. هذا هو الجديد في العيد الذي أضحى يؤرق أحلام اليمنيين القريب والبعيد أصبحوا يحلمون - لا بتوفر كماليات الحياة ولا حتى بضرورياتها ـ بل يحلمون ببقاء الحياة نفسها!! في عيدنا - إذا- صار الجديد ليس الحلم في لبس الجديد، بل الحلم بذهاب الحزن وألا يصير كساؤنا الجديد هو الكفن فلم نعد نحلم - كالسلف- بأن يتوفر للحياة الترف بل صرنا نحلم أن يجنب إلهنا حياتنا التلف !!. وبناء على ما سبق لا يشرع لليمني أن يتساءل عن كماليات العيد أو حتى يتخيلها! فهذه الأخيرة للخيال صارت جدا مثيرة تجعله في حيرة إذ يظل مكانها من التخيل "خارج حدود الخيال" "أعددت لرعيتي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". إنه عندما يصبح قتل الإنسانية أهون على الهلفوت من بيت العنكبوت، فإن بقاءها على قيد الحياة هو عين الملك والملكوت؛ فيصبح أسمى أماني أو خيال كل أم يمنية وكل طفل يمني وكل زوجة يمنية أن يعود (ابني/ أبي/ زوجي) حيا يمشي لا محمولا على الكتفِ! لقد أصبح بقاء الحياة خيالا أما بقاء مستلزماتها (ضرورية أو كمالية) عين المحال!. وهنا نقول إنه فعلا قد أزبد مكر الأعداء وأربد وأوشكت أو كادت أن تزول منه الجبال!!, فهذه الفوضى هي التي قتلت الدكتور فيصل المخلافي ويتمت أولاده وهي الفوضى نفسها التي قامت الثورة لتسيلها أو تذيبها فاستدركتها المبادرة وحقنت ذلك السيلان وحالت دون الفوضى والذوبان وأصبح الشعب منها أي المبادرة جدا غضبان؛ فأؤجلت الثورة لتبقى الفوضى هي من تسفك الدم وتذيب القيم، ففي سياق المبادرة يمنع القتل الجماعي لكنه يسمح بالقتل تقسيطا، والقتل بالتقسيط صحيح أنه خفيف لكنه مخيف؛ وهو مخيف لأنه صار تقسيطا متخصصا لأنه يقتل المتخصصين؛ أي يغتال كبرياء أو علو الوظيفة وكبرياء أو علو القيمة؛ إنه تقسيط قد بدأ بالطيارين وأظنه لن ينتهي أو يقف عند الأكاديميين! يحدث هذا القتل يوم اختطفت مبادرة الرعاة المتآمرين ثورة الثائرين! إنها فتنة تجعل أولي الألباب حائرين لا بقيام دولتهم المدنية فائزين إن هذا لحق اليقين فسبح ببأس الثورة العظيم لا ببؤس المبادرة العقيم !!!
د.حسن شمسان
جديد العيد.. بين خيال التَّرفْ وواقع التَّلفْ (!) 1280