ينبغي علينا إدراك بأننا نعيش أزمة فقهية حادة، وثمة صيحات صادقة تقول: إننا بحاجة إلى ثورة ثقافية فقهية للتخلص من الفقه الفردي والانتقال إلى الفقه الجماعي المؤسسي التجديدي المعاصر، وبحاجة إلى فهم معاصر للسنة النبوية.. وللمساعدة على إدارة النقاش والحوار من المتخصصين نعرف بعض المصطلحات ما معنى التراث والمعاصرة: التراث: هو النتاج المادي والفكري الذي تركه السلف، والذي يؤدي دوراً أساسياً في تكوين شخصية الخلف، وفي عقله الباطن (نمط التفكير) وسلوكه الظاهر.. هكذا يفهم التراث على أنه من صنع الإنسان ونتاج النشاط الإنساني الواعي، في مراحل تاريخية متعاقبة. المعاصرة: هي تفاعل الإنسان المعاصرة مع النتاج المادي والفكري، الذي هو أيضاً من نتاج الإنسان، فبهذا المعنى يكون التراث والمعاصرة مفهومين متداخلين, تفصل بينهما لحظة الآن المتحركة باستمرار.. وهكذا فالمقال المنشور في صحيفة منذ عشر سنوات يدخل في مفهوم التراث وليس للناس خيار في الانتماء إلى تراثهم، ولكن لهم الخيار في انتقاء معاصرتهم من التراث ومن منجزات عصرهم، لأن الحدث الإنساني الواعي يدخل في عالم الممكنات قبل وقوعه, بحيث يمكن حدوثه أو عدم حدوثه، أما بعد وقوعه فيصبح حقيقة لا رجعة فيها، فنحن العرب المسلمين لا خيار لنا في تراثنا، أي إننا لا نستطيع أن نضع تراثاً غير التراث الذي حصل فعلاً وورثناه، ولكننا نستطيع أن نختار بأنفسنا منه ما يلزم حاضرنا ومستقبلنا، فنصنع بهذا الاختيار تراثا لأجيالنا المقبلة. إن التنزيل الحكيم قد نهانا عن أن نقف من التراث موقف الانصياع الأعمى والتقديس (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) "المؤمنون: 24 ", (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) "الزخرف: 22".. هذا الموقف يدعو إلى أن نحترم تراثنا لا أن نقدسه.. إن الذين صنعوا التراث العربي الإسلامي هو من الناس، ومعروف قول أبي حنيفة النعمان (هم رجال ونحن رجال)، وقد آن لنا أن نصنع تراثاً لأجيالنا القادمة بملء إرادتنا وبدون حرج ووفق الشروط العلمية للتحديث والتجديد، وهذه هي عين المعاصرة.. والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
لنتجنب التبعية المطلقة لتراثنا 1430