اضطر الرئيس اليمني/ عبدربه منصور هادي الأسبوع الفائت لاستدعاء حكومة الوفاق الوطني المشكلة من الأحزاب والقوى الموقعة على المبادرة الخليجية إلى اجتماع استثنائي لمناقشة الاختلالات والاضطرابات الأمنية التي تصاعدت وتيرتها في الأيام الأخيرة بشكل تسبب في سخط المواطنين كرد فعل على ذلك الانفلات الذي استغله تنظيم القاعدة الإرهابي في تنفيذ العديد من عملياته الإجرامية واستهداف عدد كبير من ضباط وكوادر المؤسسة الأمنية والعسكرية في عدة مدن رئيسية بما فيها العاصمة صنعاء. وبالقدر الذى بدا فيه الرئيس هادي منزعجاً من الأداء الحكومي المرتبك ما دفع به إلى مطالبة الحكومة بإعادة حساباتها فيما يتصل بالوضع الأمني والتهديدات الإرهابية والتخريبية وأعمال العنف التي تنهش البلد كالسرطان, فإنه وبالقدر ذاته ظل محتفظاً بتفاؤله تجاه النتائج المتوقعة من مؤتمر الحوار الوطني الذى شارف على الانتهاء وما سيفضي اليه من توافق حول مشروع وطني يلتف حوله كل اليمنيين من اجل بناء يمن جديد معافى وسليم من كل آفات وأمراض الماضي يعول عليه أن يكون ملعباً للفرص والآمال والعيش الرغيد لا ساحة للقهر والفقر والبطالة والسلاح والجنازات. ولابد وأن الجميع يأمل فعلاً أن يتجاوز اليمن كل مصاعبه ومتاعبه وأن يصل بعد كل الأحداث التي عرفها إلى بر الأمان, مع ذلك يبقى من الواضح أن الآمال وحدها لا تكفي لتغلب هذا البلد على معضلاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتي زاد من تعقيدها التركيبة القبلية للشعب اليمني, بل إن ما يحتاجه اليمن هو وصفة سحرية عاجلة تخرجه من نفق التداعيات الأمنية بالتزامن مع توقف الخلافات السياسية والتجاذبات الحزبية التي تعتمل اليوم داخل مؤتمر الحوار الوطني حول العديد من الملفات والقضايا الصغيرة والكبيرة كالخلاف على شكل النظام الفيدرالي ومكونات الدولة الجديدة والترتيبات الخاصة للفترة المقبلة التي ستبدأ عقب المرحلة الانتقالية المنتهية في 21 فبراير القادم, حيث ولابد أن يدرك اليمنيون أن التحديات الأصعب هي من تبدو اليوم شاخصة خارج مؤتمر الحوار وبعيداً عن خلافات السياسيين الذين يطلون على واقع بلادهم من شرفات أحد الفنادق الفاخرة في العاصمة صنعاء, فالعناصر الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة التي خرجت من جحورها في الجبال والكهوف لتقوم بالانتشار داخل المدن والقرى والسيطرة على مناطق كانت محصنة أمنياً حتى وقت قريب هي من ستفرض منطقها العنيف إذا ما ظل الجميع يتعامل مع أفعالها الإجرامية على أنها أحداث عابرة يمكن القضاء عليها وتجفيف منابعها في التوقيت الذى تراه الدولة مناسباً للمواجهة. وقد يكون من الصادم أيضاً القول إن أوجاع اليمن لا تتوقف عند حدود حربه المفتوحة مع تنظيم القاعدة وجناحه العسكري ممثلاً بما بات يعرف بأنصار الشريعة المتعطش لسفك الدماء والقتل وإشاعة الخراب والدمار والرعب, فهناك تحديات أخرى تضاف إلى هذا التحدي الخطير وهي من تتجلى اليوم بصورة صارخة في المشروع الانفصالي الذى يتغلغل في الجنوب والذي يسعى إلى إعادة تقسيم اليمن إلى دولتين إن لم يكن إلى عدة دويلات لا تملك قرارها.. وفي الجانب الآخر يبرز أيضاً المشروع الحوثي الذى يتكئ على منهجية دينية طائفية شبيهة بمنهجية حزب الله اللبناني, الأمر الذى ينذر بتحريك صراعات داخل جبهة اليمن الداخلية على غرار ما يحدث في العراق ولبنان وأفغانستان, ما يعني معه أن المواجهات التي تجري على أرض اليمن تدور على ثلاثة محاور أساسية تضم القاعدة والحوثيين والحركات الانفصالية وهذه المشاريع الثلاثة وإن كانت تختلف في أيديولوجيتها فإنها تتفق على تمزيق وتفتيت اليمن وتحويله إلى أرض محروقة تشتعل بالفتن والفوضى والحروب والدماء. وقد يكون من الغريب أن الوضع الراهن في اليمن مثقل إلى جانب تلك التهديدات بسلسلة طويلة من المشكلات الموروثة والجديدة والمتراكمة والناجمة عن استفحال حالات الفقر والبطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية واتساع دائرة التناقضات الاجتماعية وانغماس القوى السياسية وراء مصالحها على حساب شقاء هذا البلد وتعاسته والذى تنهش جسده الأزمات وتغتاله الأهواء والشهوات والشبهات. قد يرى البعض في هذا الطرح نوعاً من التشاؤم, مع إني في الحقيقة لست ممن يميلون إلى التشاؤم أو الترويج للإحباط, لكنها (الحقيقة المرة) التي لا تترك مجالاً لأي حديث آخر عن اليمن وهو ما يدعو الفاعلين الأساسيين داخل مؤتمر الحوار لأن يطرحوا على أنفسهم أسئلة قد تشكل الإجابة عنها مساهمة تنير للسفينة وجهة مأمونة وتفتح أمامهم نوافذ جديدة لاكتشاف أفضل الحلول.. إذ أن عليهم قبل غيرهم أن يسألوا أنفسهم أين تبدأ أزمات اليمن وأين تنتهي؟, وهل اليمن يعيش أزمة هوية أم أنه الذي يعاني من أزمة ضمير ناتجة عن تقصير أبنائه؟, وهل الحل بأيدي من يتصدرون المشهد في هذه اللحظة الحاسمة والحساسة أم إنهم الذين يستجدون الحل من الخارج؟, أم أن هذا البلد من صمم أصلاً ليعيش واقعاً قلقاً لا يمكنه الخروج منه سوى بالرؤى المتداولة في مؤتمر الحوار الوطني أو حتى بنصائح خبراء الأمم المتحدة؟.. إذ أن مثل هذه التساؤلات ربما هي من قد توصلهم إلى وضع اليد على الجرح وتشخيص الداء ومن ثم إيجاد الدواء والذى لاشك أن مفعوله يبدأ باستعادة هيبة الدولة اليمنية والأخذ بمبدأ المواطنة المتساوية وتعزيز الوحدة الوطنية وفرض سيادة النظام والقانون على كافة أفراد المجتمع.. وبالتأكيد إذا ما توفرت هذه الإرادة فإن معالجة الأزمات الخانقة والمركبة والمعقدة التي يعاني منها اليمن ستكون سهلة.. أما من يريد حل مشاكل اليمن باستخدام المسكنات فإنه كمن يحرث في البحر أو يمشي على رمال متحركة.
*نقلاً عن الرياض
علي ناجي الرعوي
آلام اليمن تفوق سقف آماله!! 1946