إننا جميعاً بحاجة ماسة لإعادة النظر في طرائق تفكيرنا وأساليب تقيمنا وإصلاح اعوجاجه وخاصة المتشددين من المتدينين لنتمكن من التقييم والتفكير العلمي والموضوعي السليم ونساعد انفسنا علي الخروج بآراء صائبة أو أقرب إلى الحقيقة.. وهنا أذكر بأهم عشرة عوامل مساعدة:
أولاً التركيز على الفكرة لا على صاحبها: إننا عندما نسمع أو نقرأ علينا أن نركز على الفكرة الكلية المراد فهمها ذاتها، بغضّ النظر عن قائلها، وعما يرمي إليه، وعن البيئة التي نشأ فيها، وعن الحزب الذي ينتمي إليه, فالتركيز على الفكرة وحدها كفيل بأن ننظر إليها بكل حيادية وموضوعية، ومن ثم محاكمتها منطقياً من ناحية الصح والخطأ.. وواقعياً من حيث حضورها الزماني والمكاني، ووجودها من عدمه، ونفعها من ضرها.. ودينياً من حيث عرضها على مقاصد الشريعة ومبادئها العامة، وليس على أشخاص أو مذهب معين، وعرضها على مصلحة الوطن وليس مصلحة حزب أو جماعة.
ثانياً التخلي عن التعصب المسبق لأفكارنا: فإذا كنا قد تربينا على أيدي مشايخ أو جماعات ونتمسّك بفكرةٍ معينة علمونا إياها، ونحن مقتنعون بها تماماً وبصحتها فهذا جميل, ولكن أن تتحول هذه الفكرة إلى صنم مقدّس نوالي ونفاصل من أجلها ونبدع ونفسق من أجلها ونرفض أي نقد يوجه إليها بل نمتنع عن نقدها، ومحاكمتها وندافع عنها بكل قوة، وكأن تلك الفكرة لا يوجد ولن يوجد ما هو أفضل منها، أو بديل عنها فهذا خطأ فادح, لأننا بذلك سنخسر سماع الأصوات الأخرى وسنتقوقع على هذه الفكرة وننطوي عليها حتى تندثر وتموت في الواقع، ونحن ما زلنا متعصبين لها، فهذا ما سيعيق تجدد أفكارنا وتغيرها وسيوقعنا في انحرافات فكرية لا نحتمل عواقبها.
ثالثاً عدم رفض أي فكرة ابتداء ولا نقول (لا) لأي فكرة: عندما تعرض علينا فكرة ما لا نقول لا وإنما نقول: (لِمَ لا) أي لابد أن نترك في عقولنا مساحة مرنة لتقبِّل الأفكار الأخرى ووضعها تحت الاختبار حتى يثبت لدينا خطأها بالدليل والبرهان، ووفق المعايير العلمية، وحينها يمكننا الردّ على الفكرة ذاتها وليس على صاحبها نردّ عليها بمعنى أن نحلّلها ونفنِّد محاورها ونكشف عن الخطأ الذي وجدناه فيها سواء دينياً أو واقعياً أو منطقياً.
رابعاً الاستعداد للاعتراف بالخطأ: إننا لسنا منزهين عن الخطأ وهذا يتطلب أن نعترف بالخطأ الفكري متى ما رأينا أن فكرةً ما تمسّكنا بها يوماً ما واكتشفنا عدم صلاحيتها, فنسارع إلى التراجع عنها أو إعادة قراءتها بصورةٍ جديدة إذا كانت تحتمل ذلك, والبحث الجاد عن فكرةٍ أخرى أكثر صلاحية من الأولى, فالتغيير هو سنّة الحياة ومن لا يتغير بإرادته يغيِّره الزمن ويستبدله بآخرين كما أخبرنا الله:" وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم".
خامساً المواظبة على ممارسة الحوار والعصف الذهني: أن نمرن عقولنا بالحوار مع المختلف معهم، ونمارس العصف الذهني فهو زيت تروس العقل, فالعقل" يذحل" ويصدأ.. وهنا علينا أن نستمع إلى الرأي الآخر، وأن نؤمن باختلاف التنوع كسنة ربانية, ونواظبْ على التفكير والاستمرار عليه، وأن نتأكّد بأن كل شيءٍ قابل للمساءلة والتأمّل، وليس كل ما نتمسّك به من أفكارٍ وما نمارسه من سلوك هو صحيح مائة بالمائة، أو هو صحيحٌ دائماً, فكل فكرةٍ فيها جوانب إيجابية وأخرى سلبية, وما كان اليوم صحيحاً غداً سيكون خاطئاً, وعندما يصبح التفكير عادتنا اليومية فسنغير أفكارنا وأفعالنا وفق ما نراه صحيحاً في حينه ومكانه وهنا سيحدث التطوير المستمر, وإن لم نغيرها فيمكننا على الأقل تلافي سلبياته.
سادساً (الولاء للمبادئ أولاً وأولاً ثم الطاعة للبشر لابد أن تكون مبصرة وبعلم): أن يكون ولاؤنا للمبادئ، لأن الولاء للمبادئ يكون عن قناعة و يعبر عن قوة الشخصية العلمية والفكرية، وهو الولاء الذي ينمي الشراكة والشورى ويعبر عن اختلاف التنوع عند الأفراد، ويمنع الاختراق والتسلط، فالمقلد مخطئ بالتقليد ولو أصاب الحق لأن من اعتقد بغير حجة ولا دليل كمن اعتقد الباطل بغير حجة ولا دليل وإذا دخل في الحق بالتقليد خرج منه بالتقليد.
السابع التعاون مع الآخرين بحكمة وبانفتاح دون خوف أوشك: إننا نريد التحول من عصبية ارتكزت على الكراهية والعداء للآخر إلى رابطة جامعة قوية منفتحة على الآخر دون خوف أو شك، ومرتكزة على وعي بالمسؤولية الدينية والأخلاقية والوطنية في بناء مجتمع عادل وآمن، ووطن مزدهر يتسع للجميع، ويتطور ويبني الجميع.
الثامن قدرة القبول بالشراكة مع الآخر المختلف: إن الأصل فينا أن ننمي قدراتنا على القبول بالشراكة مع الآخرين حتى مع القدرة على التفرد، لأن الوطن ومصالحه مقدمة على مصالح الجماعات والا حزب، وحتى لا تتحول الأحزاب من أداة لخدمة الوطن إلى عبء ثقيل عليه.. وهذا يتطلب أن يترسخ في ثقافة قواعدنا وقيادتنا أنه عند التعارض بين مصلحة الحزب ومصلحة الوطن، فإن مصلحة الوطن مقدمة على مصلحة الحزب، ويمكن تجسيد ذلك عند التعامل مع الوظيفة العامة، وعند الترشيح للانتخابات بالتنازل حين تتطلب ذلك مصلحة عليا للوطن والمجتمع، بما في ذلك البناء المشترك لمؤسسات المجتمع المدني.
التاسع أن نتغلب على ضغوط الانتماءات المختلفة: أن نعمل جميعاً على العمل على التغلب على هيمنة الانتماءات المتخلفة الحزبية والطائفية والعنصرية والمناطقية، وأن يكون الوطن بكل أهله وجغرافيته، هو مسؤوليتنا كأحزاب نتطلع لتحمل مسؤولية الحكم وأمانته التي رفضت الجبال أن تتحملها، وتحملها الإنسان.
العاشر الأخذ في الاعتبار مواكبة المتغيرات بفقه الواقع: إن حركة الزمان لا ترحم الواقفين الجامدين ،ولا تنتظر المترددين الخائفين، الذين يعيشون عصراً بوسائل عصور خلت، وكانت لأمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما سنكسب، ولا يميزون بين المبدأ الخالد والوسيلة الفانية، والمبدأ يقول: فكل توقف يتحول إلى تخلف.
إن عدم إدراك هذه المسافة الفاصلة بين النص والواقع أو التطبيق الكامل للشريعة والتطبيق الممكن لها، جعل البعض يعيش في المثاليات، ولم يعد بمقدوره رؤية الواقع بظروفه المختلفة، فوقع في إحدى المشكلتين: إما القنوط والإحباط واليأس، ومن ثم اعتزال الناس والعيش في عالم الأحلام، وإما تجاوز السنن الكونية والشرعية وتخطى عامل الزمن ومن ثم جلب له ولجماعته أو حركته أو حزبه أو وطنه الويلات والمصائب والتي قد لا تنتهي إلا بانتهاء أجله المحتوم.. والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
أهم 10عوامل للوصول إلى قرب الصواب في الحكم والتقييم على ما نقرأ ونسمع 1513