تبلغ الأمم قمة الرقي الإنساني عندما يعلو صوت الفكر على صوت فرقعة السلاح!.. في أول الدعوة المحمدية كانت البداية فكرة تحاكي العقول, عقيدة توقد الذهن ليتأمل الإنسان في حقيقة حكمة الخلق, ويكتشف بنفسه من هو الإله الحق.. لم يؤذن للنبي (صلى الله عليه وسلم) باستعمال السيف بادئ الأمر, وذلك لأن العقائد لا تغرس في القلوب والعقول عنوة, ولم يتنزل الإذن بالقتال إلا بعدما تحولت القضية من فكرة لدولة وسياسة.
من هنا نتعلم أن الأفكار والعقائد لا تغرس أو تقاوم بقوة السلاح, ولو أن المتهالكين في تجييش الناس للحروب ضد فكر "الحوثي" صادقون في دفاعهم عن العقيدة لفهموا هذا الدرس الرباني, وعملوا به في حربهم ضد بعض عقائد "الحوثة" والتي يقررون بأنها عقائد فاسدة!.. فالحرب الدائرة في بلادنا بين "الحوثة" ومن ينتسبون "للسنة" من الساسة في اليمن, وما جاورها من بلدان, تبدو لأول وهلة دراما سياسية ورائها ما ورائها من خفايا!!..
وإن ما حدث ويحدث نتيجة للحروب العديدة ضد "الحوثة" كفيل بكشف عوار التجربة وفساد القصد؛ حيث نرى تزايداً في أعداد وعدة من يسمون أنفسهم بـ"أنصار الله", وهذه نتيجة حتمية لأسلوب الاستعداء ضدهم, والدعوة لإبادتهم, حيث وجدنا أن ذلك يدفع حتى بمثقفيهم وليبراليهم من الشباب للوقوف في خندق الحوثي, بل والدفاع عنه باستماته تثير الاستغراب!.. فأنا شخصياً عندما استمع لكلام رجل مثل "علي البخيتي", وأرى نور العقل يتلألأ في منطقه, أتعجب كيف لمثله الرضى بالكثير من خزعبلات القوم!..
القضية لم تعد فكر يقارع فكراً, بل حولها من يثير هذه الحروب ضد "الحوثة" لقضية حياة أو موت, فدفع بمثل هؤلاء, والذين تبدو عليهم سمات العقلاء, وكثير غيرهم, للتمترس في خندق جماعتهم, ولسان حال أحدهم يقول: ما أنا إلا رجل من قومي!.
أنا أرجو من الصادقين في سعيهم لوأد فكر "الحوثة", والتصدي لعقائده, أن يتوقف لوهلة ويراجع الموقف برمته, ويكتشف كيف أن الاستعداء ضدهم قد جمع حولهم من لو عرف طرفاً من خزعبلاتهم لرجع من فوره لرشده, بل أحياناً أشعر بأن "الحوثة" هم من يفتعل مثل هذه المواجهات ليكسب مزيداً من المناصرين لهم!.
الحل هو ما جاء به هدي ربنا في نشر فكرة الإسلام "الدعوة, والمسالمة" حتى يتبين للكثيرين ممن حول "الحوثي" فساد عقيدته..
ومن هذا المنبر الرائد أقترح على القنوات الفضائية المحسوبة على "السنة", والتي تجيش وتدعو للمزيد من حروب, ستذهب بنا وباليمن لمصير أسود قاتم- أقترح على قنوات (سهيل, ويسر, وقناة وصال) وغيرها, إطلاق دعوات عبر هذه القنوات لكبراء الحوثة للمناظرة العلمية, العلنية بالبث المباشر, ومن خلال المناظرات المتجردة في إظهار الحق, والتركيز على مذاهب القوم وعقائدهم الفاسدة, سنخلص الكثيرين من شباب اليمن من خدعتهم الكبرى, وسننزع شوكتهم بطريقة ليس فيها سفك للدماء وخراب لليمن, وستبرأ ذمتنا أمام الله جل وعلا وأمام التاريخ, وسنثبت للجميع بأنا لا نكره في "الحوثة" سوى عقائدهم الفاسدة, ثم إنكم ستمحون عن رقابكم تهمة أنكم تثيرون حروباً سياسية لمصلحة هذه الدولة أو تلك.. ولعل الله يهديهم ويرجعون عن هذه العقائد الفاسدة وينفع الله بهم الوطن, وما ذلك على الله بعزيز.. اللهم إني اجتهدت وبلغت.. فهل من مجيب؟.
نبيلة الوليدي
إزهاق الفكر, أم إزهاق الأرواح؟! 1591