إننا جميعاً وخاصة صناع الرأي العام, نحتاج لتعلم وفهم وتدرب لهذا المبدأ، سواء كنا سياسيين أو مدرسين أو تجاراً أو مصلحين أو متحاورين في أي موضوع كان، فإن المتحاورين أو الذين يديرون الحوارات يتطلب منهم أن يقدم كل منهما ما عنده من مفاهيم وأدلة وبراهين بدون مقاطعة مهما كانت الافكار عوجاء، ويقول للآخر: هات ما عندك من أفكار، وحقائق، وأدلة, ثم السماع بدون مقاطعة.. فهذه كلها أدوات تفاهم للمتحاورين..
والدارس للقرآن الكريم سيجد أنه يوجه المسلمين أن يعرضوا ما لديهم من أفكار بعلم وفهم ووعي وبالتي هي أحسن، فالله يقول (وجادلهم بالتي هي أحسن )..
وخلاصة معنى هذه التوجيهات إذا كان لديكم ـ يخاطب الطرف الآخر ـ طريقاً أفضل، أو عقيدة أصح، فنحن على استعداد لقبولها وتلقيها، ولا يجوز الطعن بأدلة الآخر إلا ضمن الأصول المنطقية وبالتي هي أحسن، أو القواعد المسلّم بها لدى الفريقين المتحاورين, إننا نحن اليمنيون في الغالب نفتقد هذه الروح الحوارية الإسلامية، إننا جميعا نريد أن نجعل من الحوار قوة وسلاحاً من أسلحة التفاهم في المجتمع، وسلاحا من أسلحة السجال الثقافي والحضاري، ووسيلة تبليغ الرسالة بالتي هي أحسن..
وكذلك على المقتنعين بالمذاهب وأصحاب المذاهب ـ وهي آراء وليست ديناً ـ أن يعرض كلٌ ما عنده وبدون تعصب، والتعود على سماع صوت الرأي الآخر وسماعه بوعي، وإظهار الحقيقة, وبالحوار والتفاهم ندرأ المفاسد، ونغرس التواد والتحابب، وفي تعليمنا وحواراتنا نبدأ بالأقرب، ولهذا قدّم القرآن الحوار مع النصارى حيث يقول سبحانه وتعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة: 82) وكذلك علينا ألا نثير الآخر ـ أياً كان ـ في حوارنا معه، لأن هذه الإثارة ستولد الانفعال والتعصب ورد الفعل, وبالتالي فإن الحوار سينحرف عن منهجه، وسيباعد وجهات النظر، وستكون القطيعة.. لذلك في حواراتنا وكتاباتنا وخطبنا نتعود نتدرب أن لا شتيمة ولا طعن ولا تجريح, ولا استهزاء ولا سخرية، ولا احتقار لوجهة النظر الأخرى، يقول الله تعالى ((وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (الأنعام : 108 ).
والله الموفق
محمد سيف عبدالله
مبدأ التفاهم التكاملي والسماع الجيد في فهم ما عند الآخر 1493