وطن مستباح, كل يوم له كاذب وقاتل وناهب وقاطع طريق وفاتك لذة ولص حقير.. وطن مضرج بدموعه, يتلمس الضوء, يحن إلى الجمال, ويرهقه قطاع هناك واختطاف هنا وميليشيا مدججة بالعتاد وترفض أن تدخل السلام من بلد السلام.. وطن أتعبته الغوايات, أرهقته المساومات, غلبت عليه شقوة من لا يرجون لله وقاراً؛ فصار متعثر الخطوات, مهزوم الطموح, يتعالى عليه بغاث البشر, ويرهقه من لا يؤمن جاره بوائقه.. وطن شاحب, تاعب, متصحر, فيما أهله يعيشون غياباً تاماً عن الوطنية انتماء، ويفسحون الطريق للفوضى, والتعاسة تزداد رسوخا وكأن هذا الوطن ليس مهد الحضارات وصانع انتصارات وصاحب فتوحات إسلامية، كأنه لم يكن منبع شورى وموئل حب وسلام حتى يتداعى عليه من هم شر البرية, يفعلون فيه الحمى والسهر ويغتالون القصيدة ويقهرون الورد وشذاه..
وطن تعب سفراً وأنهكته الحياة وصار الرجاء فيه خيبة، والحلم مستحيلاً، والأمل عارضا زائلا، وقد سطا عليه من هم مدججون بالسلاح والأطقم المشيخية وما قبلها وما بعدها من أعضاء برلمان ووزراء وجميعهم يحدثونك عن دولة مدنية وهم التعب كله في اختراق أنظمة قوانين بدءا من نظام السير وحتى القتل وممارسة الصعلكة على منافذ وعلى طرقات وعلى محافظات وعلى وطن بأسره.
كأن هذا الوطن قدره السير في المعاناة اليومية التي يصدرها لمحبيه ببذخ لا يطاق، وكأننا ـ وهوانا يماني ـ لا نستطيع أن نترجم حبنا إلى رسم زهرة ونفيض على ما نريد جمالاً، وثمة من يرهق الصباح أن يكون، والعبق أن ينتشر، ولا يريدون غير الجثث والاغتيالات تتم بسرعة خاطفة وبحركة يجيدها من خبر الفنون القتالية وأتقن سيرة القنص، فاستطاع أن يشكل حضوراً بما وصل إليه من خبرة ليردي كل يوم بشخصية وطنية أو بريء على قارعة الأمل, فيمحق الهواء والشمس ويتعالى النواح ويشتد الخوف وكل يتحسس نفسه من قادم مهيأ للتشظي، البعض يريده ليتقاسمه كعكة، والبعض الآخر ينفذ أجندة خارجية، والبعض الثالث مجرد مأجور لمن دفع, يقتل دونما تردد.
وطن من سعال وأزيز ريح وحالة توهان، فلا هو هان ولا هو كان، وكلما قلنا (لمع البرق اليماني) زادتنا الحيرة حيرة واشتكى القلب للقلب، وفاض الألم زيادة عن حده حتى بتنا لا نرى غير الفقر والفوضى وارتباك خطوط السير وتعرجات القادم ولا جديد، ونحن نتعسّى ولو بصيص أمل، وكلما قلنا يا غوثنا بالله، جاءنا من يريد المحق والدمار على ظن منه أن الحياة لا تستقيم له والوطن معافى وعليه أن يسخر الضباع والوحوش لتنهش من وطننا ما تستطيع، ونحن بلا حول ولا قوة سوى أن نرقب من لا ضمير لديهم ويتداعون على وطننا كتداعي الأكلة على قصعتها..
وطن من لغب وتعب ويوميات ألم وانهيار أخلاق ومفسدة وكل يدعي النزاهة والإصلاح ولا شيء من هذا نجده مؤسساً على صعيد الواقع، فالقبيلة والحزبية صنوان لحركة فساد متقن، القبيلة والحزبية في وطني بلا مشروع مستقبلي، بلا قناعة بالوطني، بلا انتماء إلى الروح المدنية، كلاهما يستبد بالمجاميع من أجل الذات، كلاهما يعمل من أجل معالجة أوضاع شخوص وليس قضايا وطن، كلاهما يزايد على الآخر وهو يمتاح من التخلف من رأسه حتى أخمص قدميه.
هكذا القبيلة والحزبية في بلادنا استبداد، الشيخ شيخ طوال العمر والذي يليه والمسؤول الأول في الحزب طوال العمر ثم الذي يليه، كلاهما في بوتقة التخلف ولا يظنن أحد منهما أنه أنجز شيئا في مسار الوطني، اللهم حفظ توازنات لمصالح ذاتية فقط تجبرهم على التعايش من أجل ذواتهم وإرهاقنا.
هكذا نرى وطناً نهبته الحزبية والقبيلة وهما يتشكلان من عصبوية مقيتة تقدم الولاء للذات على الولاء الوطني ومن شذ عن هذا مآله الجحيم، وافرازات صعدة والحراك الجنوبي وما بعدهما من قادم غارق في النكد, ليس سوى مخرجات وطن اعتلت فيه الحزبية والقبيلة ليس بقيم الوفاء والحب والشهامة والكرامة، ولكن بقيم القطاع القبلي والسلاح والميليشيات التي تجوب أحياء العاصمة وتغرس البشاعة كلها في الأسواق وفي جنبات الطريق، وتبقى قوات الداخلية بأسرها والمعنيون بالأمن أعجز من أن يوقفوا طقماً لشيخ، وإذا بكل ترسانة الداخلية من أجل تفتيشي أنا وأمثالي الذين لاحول لنا ولا قوة, فيما الذين لديهم الموت ألوان والسلاح أصناف وجهوزية القتل واردة, يزدادون حراسة وسياجا امنيا ونغنغة، ووحده الوطن من قهر إلى قهر يزيد, وتعالي الآخر عليه من يملك السطوة والنفوذ هو الذي يخلق عالما كما يريد وحسب أهوائه ومزاجه، فيما الحوار على شرفات صنعاء من موفنبيكها الجميل تارة يتعثر وأخرى يقوم وثالثة احتجاج وانسحاب وصفع وشتم ومالم تره العين واحتضان فرقاء فيه وقتال خارجه..
هكذا قيم زائفة وشخوص تغالط الحياة وتعتنق الجحيم وتداري المآسي وتتغافل عن أن الله رقيب بما يفعلون، وأن الوطن المكدود لم يعد قادراً على البقاء في الهزيمة إلى ما شاء الله، وأن القريب موسوم بانفجار قد لا نحسب عواقبه مالم يتنازل العقلاء عن مصالح وهنجمة واستعراض ويدخلوا بصدق في السلم كافة قبل أن تكشر إيران بأنيابها والغرب بمصالحه والعملاء باستعدادهم للتواصل مع الفتن.
محمد اللوزي
وطن منهك..! 1736