هناك أمر، لفت أنظار كثيرين، وبدا غريبا، وهو فعلاً غريب وملفت بحق، ويخفي وراءه، حقيقة ما، تخص أشخاص داخل الحلقة الضيقة ،التي قامت بإعداد خطة الانقلاب وتنفيذها، وتحملت كل تبعاته بصورة كاملة، وغامرت بكل رصيدها ووزنها ووجودها، ووضعته كله في خانة واحدة، وهي خانة :(حتمية نجاح الانقلاب العسكري بأي وسيلة، ومهما كلف الأمر!).. هذا الأمر، الذي لفت أنظار المراقبين والمحللين، وحتى الجمهور العادي ،هو : لماذا قيادة وأجهزة السلطة الانقلابية، لم ينكلوا بأعضاء وكوادر الجماعة الإسلامية كعاصم عبدالماجد والآخرين وحزب البناء والتنمية الحزب الذي هو ذراع الجماعة الإسلامية السياسي، كما فعلوا بباقي أطياف وفئات الشعب المصري المعارضين للانقلاب؟!،بل حتى لم تقترب السلطة من هذه الجماعة ولو حتى بقرصة أذن صغيرة!.. رغم أننا نعرف الدور العظيم والموقف القوي للجماعة ورموزها وكوادها وقواعدها الجماهيرية ضد الانقلاب، وأنهم-أي منتسبي الجماعة الإسلامية- اعلنوا رفضهم التام لهذا الانقلاب منذ أول لحظة فيه!.
***
لقد بات من المعلوم، للقاصي والداني، مدى إجرام الانقلابين بحق الشعب المصري الشقيق، وكيف تعبثوا بالناس وكرامتهم، وأذاقوهم الويلات في الفترة الماضية.. لكن في المقابل، لاحظنا كيف لم تقترب أجهزة السلطة الانقلابية من أعضاء وكوادر الجماعة الإسلامية، والشيخ عاصم عبدالماجد نموذجا قويا لهذا، فكلنا رأينا ونذكر كيف كان هذا الرجل يقف بكل قوة وصلابة على منصة رابعة، بصوته الهادر الذي ينتقد الانقلابيين، ويفضح أفعالهم وتصرفاتهم، ويوجه لهم أشد كلمات النقد والغضب، ويعلن بكل وضوح رفضه وعدم اعترافه بسلطة مابعد٣يوليو!.. هذا الرجل العظيم الشجاع، تصوروا: لم يقترب منه احد منذ المحرقة في ذاك اليوم الأسود ١٤ أغسطس وإلى الآن!،لازال طليقا، لم يعتقل أو يطارد!.. هو وكل رموز الجماعة الإسلامية! ..الأمر يبدوا محيرا لكثيرين.. هناك تفسيرات عديدة للأمر، لكن أقواها وأقربها للمنطق، هو الآتي: أن الانقلابين وقيادتهم وسلطتهم، تعلم أن أعضاء الجماعة الإسلامية للآن متمسكون بالسلمية.. ومقتنعون بها منذ أن أعلنوا قبل سنوات تصحيح منهجم، وتغيير استراتيجيتهم ضد الدولة، بتركهم العنف والقوة بمواجهة تسلط وبطش الدولة، وانخراطهم في المجتمع، واقتناعهم بالتخلي عن العنف كمنهج.. لكنها -أي السلطة الانقلابية- ليست واثقة بالمرة، من استمرار هؤلاء بالنهج السلمي لو تعرضوا لأي أذى أو بطش جديد من قبل السلطة والدولة، خصوصا لو تعرضوا لحرب الإبادة هذه والتعسف والتنكيل، التي تتعرض لها باقي فئات الشعب المصري.. وبالتالي قيادة الانقلاب لا ترغب بالاحتكاك بهؤلاء، وهذه الفئة بالذات من التيار الإسلامي، لان سلطة الانقلاب لن تحتمل أبداً رجوع هؤلاء لخيار العنف مع الدولة وإعلانهم الجهاد عليها!.. لن تحتمل قيادات الجيش والانقلابيون بقوتهم وسلطتهم وإمكانات الدولة التي استحوذوا عليها، لن يحتملوا أبدا الدخول الآن في صراع مع الجماعة الإسلامية ..لان سلطة الانقلاب في مرحلة هشة وضعيفة للغاية، ولا تضمن جانب هؤلاء الجهاديين، الذين إن استفزتهم وجرتهم لمربع المواجهة المباشرة معها !،فالدولة والسلطة أكيد هي الخسرانة !..حيث لن تستطيع التخلص منهم لعدة سنوات قادمة طويلة!.. وبالتالي، فكل ما تفعله قوات الانقلاب وسلطاته، من تنكيل وقتل وحرب على الإخوان وباقي الشعب المصري، لعلمها وتأكدها ويقينها التام، أن الإخوان وباقي المعارضين للانقلاب، ليس لهم في العنف بالمطلق!.. ولن ينجروا أو يلجأوا أبداً للعنف في مواجهتهم ومعارضتهم للانقلاب!.
***
إن الانقلابيين، يريدون أن يظلوا يتحدثون عن العنف والإرهاب، من دون أن يكون هذا العنف والإرهاب موجوداً على ارض الواقع !..يريدونه أن يكون موجودا فقط عندما هم أي السلطة والدولة يحركوه، في التوقيت الذي يريدون، والمكان والزمان، ويتحكمون هم في قوته ومكانه وزمانه ومدى تأثيره !..لانهم هم فقط من يقوم بالعنف !..ويلصقوه بمعارضي الانقلاب للاستفادة منه سياسيا!.. بينما لو جر الانقلابيون الجماعة الإسلامية للعنف، فلن يستطيع السيسي إيقافه بالمرة!،وسيكون خارج سيطرته، ولن يضمن نتائجه ومداه وكوارثه التي ستكون خطر عليه وعلى حلفائه الاستراتيجيين هناك على الحدود(إسرائيل)!.
***
ثم أن اعتقال الجماعة الإسلامية لن يفيد سلطات الانقلاب، فليسوا هم المسيطرون على الشارع والتظاهر بالشكل الكبير والأعظم!..
***
خبر قرأته قبل أسبوع: الداخلية الانقلابية تعلن في بيان: (ألقينا القبض على عناصر إخوانية، في شقة سكنية في مدينة نصر، وهم يتدربون على اطلاق الصواريخ!)..هل لاحظتم شيء؟.. قمة الغباء!،الذي لم أرى مثله منذ فترة!.. هل رأيتم في حياتكم أشخاص يتدربون على اطلاق صواريخ داخل شقة سكنية!!.. أما لهذا الغباء، من نهاية؟.. انهم حتى لا يحسنون إتقان الكذبة وإلصاق التهمة الباطلة!.. تبا لهم، ولعنجهيتهم!.
***
ها هي الأيام تمر، أكثر من مائة يوم مرت، على المذبحة، كأنها الأمس!،ما أسرع الأيام حين تمضي عنا، مغلفة بوشاح الحزن، والألم، نحن أمة.. تخطفتها أيدٍ آثمة، أنانية، ظالمة، أيدٍ داخلية، وأيدٍ خارجية!.. لم نسلم من الاثنين!،تسبب أعداء الإنسانية لشعوبنا، ببحر هائل من الأحزان والنكبات والحرقة.. إنها بحار دم أسالوها منا، لا ينسينا إياها قرن من الزمان يمر، نشعر بالإحباط، والبعض منا يقتله اليأس، والعجز، لكن هل نملك إلا الصمود!،هل تركوا لنا خيارا، غير أن نصمد أكثر، ونتشبث أكثر، بحريتنا، بحقوقنا، بكرامتنا، بل بإنسانيتنا!.. ماضون، ومستمرون في هذا الطريق، طريق الحرية، والمارد الذي في نفوسنا خرج، لن يوقفه احد بإذن الله.. حتى يصل قطار الربيع إلى محطته الأخيرة ،التي خرجنا لأجلها أول مرة، وخرج خيرة من نعرف، من رفاقنا ، وأحبتنا، وقتلوا لأجلها.
لينا صالح
بطش عظيم.. يخفي وراءه ضعفاً وهشاشة! 1551