أورد "الريحاني" في إحدى مقالاته تصنيفا لأنواع الكتّاب فقال:
نوع يكتب ليعيش.. ونوع يعيش ليكتب, وأضاف هو نوعاً ثالثاً: يكتب ويعيش!
إلا أنه ـ ولحسن حظه ـ لم يعش زماننا المتفرد, والذي أفرز بمفرداته المنسلخة من الإنسانية نوعا رابعاً ألبسه الظلاميون وصف: من يكتب ليموت!!
ما نراه من استهداف للمنابر الإعلامية في بلادنا, ولأصحاب الأقلام في هذه الأيام هو أكبر دليل على الإفلاس الأخلاقي الذي تفشى في ثقافة المجتمع, وللأسف لقد وصل البعض للتمادي فيه حتى منتهاه!
وهم فوق تدني سلوكهم البشري لمستوى عيش الغاب الذي يتلذذ فيه القوي بنهش لحم الضعيف, يظهرون غباء يثير الاشمئزاز, حيث لم يعلمهم التاريخ الدرس البسيط بأن أصحاب الكلمة كعود البخور المعتق, والذي إن أنت أحرقته أذكيته!
غياب هيمنة الدولة وتراخي القبضة الأمنية أتاح لشذاذ الفكر, وشواذ المسلك بالتطاول على أرباب القلم فتجرأوا على دوس بلاطه بعقولهم الغليظة قبل أيديهم المتعفنة من امتهان العنف, وقاموا في لحظة انكسار حضاري مرة بتلطيخ مملكته بدماء الأبرياء من أربابه, على حين غفوة للضمير الفردي والجمعي لإنسان هذا الوطن!
كلما ادلهمت بنا الخطوب وتكالب علينا السفلة من الداخل والخارج, وتشعث أمرنا, وتعقدت قضايانا, وتلاشت أصوات طلاب الحق وخفتت وسط تنمر مخيف لطوفان المظالم الذي سود عيشنا, كبرت في وجداني علامات الاستفهام, وعلا صوت الحيرة بسيل الأسئلة: لماذا نحن يحدث لنا كل هذا؟
لماذا كل هذه الشرور والمصائب يصبها الله علينا أهل اليمن؟
حتى اكتشفت بأنا قد تكاثر فينا من يجاهر بالمنكر واستحلال جميع المحارم ؛ من دماء وأموال وأعراض ونحن شبه صامتين!
اختفت العدالة, وخبا الضمير, وغابت سطوة السلطان, وانتحرت القيم, وانزوت المعاني الإنسانية تحت ضجيج الصراعات المتعددة من مكونات ما عادت ترعى في مؤمن إلا ولا ذمة!!
إن سكوت النخب على استطالة المتكبر, وتنمر ممزق الصف, وتمادِ منتهك الحدود ذنب عظيم أخذ الله به الأمم السابقة:
(كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)!!
فهلا يقظة, فما عاد خيالي يطيق تصور مشهد أسوأ مما يحدث على الساحة اليمنية من مآس مرعبة, واختراقات مفجعة لحقوق الإنسان..
انتزعوا كل حق لنا في الحياة الكريمة, وأخيرا جاء أوان التصفيات الجسدية ليرهبونا فنخرس للأبد إما بموت فعلي أو موت معنوي, يريدون أن يسلبونا أبسط الحقوق:
حق الكلمة والتعبير الشفاف الصادق, وحق البقاء والعيش على أرض وطن منكوب بفضل وجودهم!
نبيلة الوليدي
يكتب ليموت..!! 1348