مازالت الطعنات تنهال بشراسة على جسد هذا الوطن وتُغرز بشدة دون هوادة ودونما حد فاصل سوى فواصل القبح التي استمرأت فينا البقاء والإقامة.
منابر السلاطين واحدة من هذه الطعنات الغادرة التي حرمت اليمن أحقيته في أن يتنفس روح الولاء الحقيقي من أبنائه لتربته وثراه, طعنة أخرى عتمت الرؤية وجعلتها ضبابية ومنعته من أن يصبح بلداً حضارياً لا فرق بين أبنائه إلا بالعمل والقدرة على الإنتاج والنمو.. طعنة جعلت أبناءه شعوبا وقبائل متناحرة وكل واحد ينوح على ليلهِ الحالك.
تعقيدات كثيرة ومخاطر أكثر مازالت تتوالى على بلادنا ورغم ذلك يظل البعض مصراً على ألا يحرر عقله وأفكاره ورقبته من جلباب التبعية للسلاطين أياً كان اسمهم وحجمهم وآلة الحرب التي توجههم, ولا يريد الانعتاق من هؤلاء السلاطين سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أحزاباً أو طوائف أو أجندات خارجية وجدوا لهم من يدور في فلكهم ويستميت في سبيل إعلاء أهدافهم مقابل تمزيق بلده وهدمه, فاتخذوا من هؤلاء السلاطين أصناماً يطوفون حول مساعيهم الخبيثة وصاروا أداة تنفيذ مُدمرة, مغيبي البصيرة ومغسولي الأفئدة.. وبالتالي استغلت هذه الأصنام هذا الجهل العقلي فشحذت من خناجر منابرها وأخذت توغل في النفوس وتشد من أزر التمزق والفتنة والعداء وتوسع من مسافات التباعد الوطني لا الالتقاء, وكل ذلك ليس خدمة لأجنداتها وحسب, بل خدمة لأهداف سياسية مستترة وتصفية حسابات وثارات ولعبة سياسية شيطانية يذهب ضحيتها أرواح بريئة وساذجة صدقت وغيبت عقلها تماماً عن حب اليمن, ذهبت وتذهب كل ثانية هذه الأرواح أدراج النرجسية المفرطة لتجار الحروب وقادتها والأنا والسموم التي تبخ فينا ما بين غمضة عين وانتباهتها..
فإين اليمن من هؤلاء السلاطين ومنابرهم ومتى سيخرج من رحم الصراعات وطواف الصنمية والأصنام الماجنة من يتحدث عن الوطن؟.. حتى القنوات الفضائية والقلم والكلمة والصحافة الصفراء صاروا فقط لخدمة بعض هؤلاء يسبحون بحمدهم وبإنجازاتهم في إيصال اليمن إلى جرف هاوٍ ونفق معتم وسراب يوم عاصف وجارف, وحتى المنابر الدينية وبعض اللحى المطولة صارت منابرها موجهة سياسياً بكل معنى الكلمة, فلا نسمع إلا خطاباً عدائياً ودعوات فيها من الكراهية والغل والبغض الكثير والكثير وما بقي للسلام والخير فيها موضع دمعة واحدة, فصارت لا تخدم إلا أجندات حزبية وطائفية ومناطقية لبث روح الشتات وذبح السلام وقيم التآخي ولمْ الشروخ وجبر الكسور الوطنية والروحية وجعلوا النفوس ضيقة حرجة كأنما تصعد إلى السماء وأصدروا فتاوى التكفير التي تجيز قتل المسلم دون وجه حق.. وأين اليمن من كل هذا الدخان والنار وألسنة اللهب بالله عليكم؟.
كفانا تدميراً لبلدنا يكفينا سموماً تنخر في أفكارنا كل برهة وأخرى يكفينا عداء وتناحر, متى سندعو للسلام والخير وبناء الوطن بعيداً عن هذه اللدغات الفتاكة؟, متى يحين لنا أن نخرج من جلابيب السلاطين المليئة بعقارب إبادة شاملة ليس فيها من حب الوطن مكان؟, متى سنستظل جميعاً تحت عباءة اليمن نستظل بظله ولا نجعل للحقد مكاناً بيننا؟.. يكفي بلدنا تخريباً وجهلاً ورعونة وغلظة.. متى يحين للإعلام أن يستقل استقلالية تامة لخدمة الوطن ولا سواه وألا يكون بوقاً أو أجيراً عند أي سلطان ظالم؟, ومتى يحين للمنابر الدينية أن تؤدي واجبها الديني بذمة وضمير ديني ووطني بعيداً عن استغلال الدين استغلالاً ذميماً من أجل خدمة السلاطين المردة؟, متى؟.
اليمن العظيم ليس ملكاً لفلان أو فلتان أو علان أو زعطان وليس ملكاً لأي سلطان ولا لأي منبر كان, اليمن لنا نحن جميعاً وملكنا نحن جميعاً, فلنكفر بمنابر السلاطين وسمومها ولنؤمن فقط بأمي اليمن.. حينها لن يبقى لسمومهم بقية باقية أبداً.. أنا كفرت بها كفراً تاماً.. ليحفظك الله يا يمن من كل سلطان جائر ومن كل منبر هادم.
سمية الفقيه
منابر السلاطين.. وللسموم بقية!! 1145