حينما تصل مدينة الضالع وتقف بالتحديد في الشارع الرئيسي قرب سوق القات (الحديقة سابقا).. تذهب عيناك صوب ذلك البناء المرتفع ذات الأربعة الطوابق على ضاحية المدينة.. رمز الضالع (دار الحيد) قصر احد سلاطين الضالع القدماء.. وقادك فضولك لتشرب زجاجة من الشاي في بوفية أوسان.. ترى بائع الصحف الكفيف(الحزمي) وحوله الناس ينتظرون وصول الصحف وخاصة الصحف اليومية.. يبحثون عن الجديد والأحداث الجديدة على صفحاتها.. فيمكنك أن تحدس انه حينما يحضن الأب مولوده الصغير فانه يهمس في أذنه على الفور بشعارات تحررية ونضالية مثل (الضالع الصمود.. الضالع الحر).
زرت الضالع في 2009م وهي تحت القصف.. تخاف على نفسك كل دقيقة كل ساعة فلم يكن هناك مجال أو شيء يغري في الضالع.. لا فرق بين الحياة والموت.. حينما ترى شباباً في عمر الزهور يتقدمون المسيرات والمظاهرات ويواجهون قوات الأمن المركزي حينما تخرج تواجههم.. في 2009م الضالع لا صوت يعلو على صوت الرصاص.. وكما وصفها الزميل/ عبدالرقيب الهدياني "مدينة يؤرق ليلها النيران ويشل نهارها العصيان".. زرت الضالع وأعلام جمهورية اليمن الديمقراطية مرسومة على بعض المنازل وخاصة المرتفعة منها والقريبة من الخط الرئيسي.. نتاج طبيعي لوضع غير طبيعي ومحصلة لمعادلة طرفها الأول سلطة بوليسية أقصت أبناء الجنوب من مناصبهم ونهبت ثرواتهم وأراضيهم، وطرف ثان محصلات حكم قاد البلاد إلى انهيار اجتماعي واقتصادي وانسداد سياسي, فاشتاق الحراك الجنوبي للإرث السياسي واستعادة استقرار الماضي.
كصحفي تريد أن تفهم أو تدري ماذا يحدث في الضالع، يجب أن تكون على قدر من الفهم والوعي، في الضالع تتعدد الرسائل لتتحول إلى صفحات تلمع وتتباين.. سلطة بشقيها العسكري والمدني اتهمها البعض أنها تشعل الحرائق في المحافظة وشارع قاد هذيانه السياسي والنضالي بعيداً عن قيادات الحراك، و"مشترك" بين مطرقة الشارع وسندان السلطة.. هكذا كانت الضالع في 2009م.
الضالع المحافظة الأولى والوحيدة التي صارت مبكراً عصية على نظام صالح فأعلنت هويتها السياسية حينما وقفت مع رائد التغيير فيصل بن شملان، فحاول نظام صالح شج هامتها وتأديبها بحرمانها من المشاريع الاقتصادية والخدمية والتنموية.. فيما اعتبره البعض ثمن عصيانها السياسي تجاه السلطة.. الضالع فيها بدا المشترك قصة النضال السلمي في مسيرات ومظاهرات سلمية سرعان ما تناول الشارع الجنوبي فصولها.. فظهرت الضالع سياسية بامتياز.. لها سبق المرحلة الأولى في الثورة.. صرخ أبناءها بالجهات الأربع يبحثون عن وطن صار دولة بين صالح وعائلته وبلاطجته.. صرخوا يوم خاف الصراخ صراخهم فدوت صيحة نضالهم في ربوع اليمن فكانوا ولا زالوا أحراراً ومثالاً يقتدي بهم اليمنيون "ارفع رأسك أنت من الضالع".
مدينة على ظهر سيكل
لا شيء يغري في الضالع فهي خالية تماماً من أي مشاريع اقتصادية أو تنموية حكومية أو خاصة.. لم يأت إليها رأس المال الخاص.. فلا يوجد فيها حتى مصنع للمشروبات ولا معهد للكمبيوتر أو تعليم اللغات.. خالية تماماً من أي حديقة عامة.. مدينة الضالع خالية من المدارس الأهلية والخاصة.. تجاوزت نسبة البطالة فيها 52% دخل الفرد فيها،1،0$, وحده سوق الجمرك الذي اشتهر في التسعينات كان ملجأ الشباب العاطلين عن العمل في البيع وتسويق القات.. أغلقته سلطات صالح فتعطل المئات فأصبحت خياراتهم مفقودة.. ليس هناك أي تراكم لبقايا نهوض حتى بعد مرور 13عاماً من تأسيس الضالع كمحافظة لا زالت في طور النشأة والمجمع الحكومي في سناح يتوسد العجز وبيروقراطية السلطات العليا.. ولن تدرك حجم المؤامرة على هذه المحافظة الصامدة إلا حين ما تسأل: من يحكم الضالع؟.. فحينما تجلس مع دهاة السياسة في هذه المحافظة تجد توصيفهم أحياناً يتوافق مع توصيف رجل الشارع البسيط، فقيادات في المشترك اتهمت السلطة أكثر من مرة أن أفعالها تتجه إلى تفجير الوضع في المحافظة.
في 2010م زرت الضالع في شهر مايو وحملة عسكرية تتحرك من لواء عبود إلى مديرية جحاف، تاريخ ابتدأت فيه السلطة فرض العنف وقصف المنازل ومواجهة الشارع الضالعي بالرصاص الحي، ما جعل احد قيادات الحراك في المحافظة يتهم السلطة بعسكرة المدينة ودعم أطراف أخرى متمصلحة مع السلطة لتشويه صورة الحراك السلمي الجنوبي.. فيما عزا البعض أن خلافاً نشب بين القيادات الأمنية في الضالع ظهر على شكل تصفية حسابات دفع الشارع الضالعي ثمنها.. فطال القصف والعنف مقرات الأحزاب حيث تعرض مقر اللقاء المشترك للقصف ومثله مقر الإصلاح.. أدانها المشترك وقت ذاك وحمل السلطات الرسمية المسئولية عما يحدث من دوامة العنف وعسكرة المدينة.. تساقط العديد قتلى وجرحى وذهب العديد إلى المعتقلات، وكان أول يوم في الأسبوع "يوم المعتقل" وآخر يوم "عصيان مدني" بين الحاكم المدني والعسكري في الضالع وفصائل الحراك الجنوبي واللقاء المشترك كانت الضالع في 2010م
في السنوات السابقة حينما كان صالح "المنظومة والثقافة" محتل وناهب ثروات وأراضي الجنوب في نظر الجنوبيين صار كذلك تهمة تلاحق الشماليين.. ولكن حينما اشتعلت الثورة الشعبية في فبراير2011م كان إسقاط صالح ومنظومته هدفا اتفق عليه الجميع جنوبا وشمالاً.. فواصل أبناء الضالع مشوارهم النضالي التحرري من نظام صالح في الساحات والميادين.. فاتحاد شباب الضالع كما وصفه البعض كان اكثر الاتحادات حركة وتفاعل بعد المنسقية العليا لشباب الثورة في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء.. فيما خرج الآلاف متوافدين جميع المديريات كل يوم احد إلى ساحة الحرية في مدينة قعطبة.. وفي مديرية دمت كان الزخم الثوري والجمع الثورية ومثلها مديرية جبن.
كما يمكن القول أن الضالع محافظة سياسية بامتياز.. فحينما كان يهتف البعض ما لنا غيرك كان أبناء الضالع يهتفون "برع يا استعمار" مرددين زاملهم المعروف "أقسم لكم بالله ما نخضع والأرض والثروات منهوبة.. لو تصبح الضالع شبيه غزة وأبين وشبوة مثل بعقوبة".
وحينما صمت البعض كانت الضالع صرخة مدوية تجاوزت الصمت ولا زالت ترتدي الحرية والصمود.. استطاعت بأبنائها الشرفاء أن تكون مقبرة تدفن فيها مشاريع السلطة السياسية والعسكرية التي حاولت النيل من أبنائها ورصيدهم النضالي.. فلم تكن الضالع يوما جسرا لتمرير مثل تلك مشاريع صغيرة أو كبيرة أو انتقامية.. مهما تزين صاحبها بروح الواعظ والزعيم المنقذ.. وعلى الرغم من تعدد أنماطها السياسية والاجتماعية زادها هذا التنوع حفاظا على هويتها الوطنية والنضالية!!فضالع الثورة والصمود لم تخمدها أصوات المدافع وسياسة قطع الأرزاق وتهميشها من السلطة المركزية.. ولكن يبقى سؤال يطرح نفسه :من المسئول عن تهميش محافظة الضالع؟!.
مشكلات بين يدي الشاعري
ويواجه الشاعري, وهو من أبناء المحافظة, ملفات مثخنة بالعديد من القضايا الأمنية الشائكة أهمها الانتشار الكثيف للمسلحين وحالة الفوضى المتزايدة من وقت لآخر في عاصمة المحافظة ، وبروز العديد من الظواهر السلبية وصلت إلى استهداف المحاكم والنيابات.. وكذا العصيان المدني المسلح الذي تنفذه عناصر الحراك وقيام المسلحين بإغلاق ما يصفونه بمنفذ سناح الحدودي وقطع الطريق العام صنعاء- عدن ووقف حركة العبور التجارية والدخول والخروج من وإلى منذ الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية عشر ظهراً في إطار التصعيد الثوري لرفض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والمشاريع المنتقصة.
كما يواجه أيضاً قضايا الثأر والنزاعات القبلية على خلفية قضايا اجتماعية وقضايا الأراضي وغيرها وأهم تلك القضايا قضية مصلى العيد في شرنمة العود بمديرية قعطبة وتجدد المواجهات المسلحة بين قبيلتي المنصوب و العماري والتي خلفت أكثر من 30 شخصاً بين قتيل وجريح من الطرفين وتبذل السلطات المحلية مع لجنة من المشايخ جهوداً حالياً لمعالجة القضية وحلها جذرياً في اجتماعات مكثفة بديوان المحافظة بإشراف المحافظ لإنهائها.
أحمد الضحياني
الضالع ومارثون السياسة والنضال.. ماذا بعد؟ 1688