كل يوم نفاجأ بجريمة أسوأ من سابقاتها، وخير مثال على ذلك جريمة اقتحام وزارة الدفاع وقتل الطاقم الطبي بأسلوب لم نعهده في كل الجرائم السابقة, كونها تستهدف شريحة ليس لديها أي خصومة مع أي طرف من المتصارعين، بالإضافة لاستهداف الكثير المرضى والمراجعين ومنهم القاضي/ عبدالجليل النعمان, زميلنا في مؤتمر الحوار وزوجته، رحمة الله عليهما وعلى كل ضحايا هذه الجريمة، وهذا الرجل قامة من قامات الوطن ومن الشخصيات الفذة, ذهب إلى المستشفى مع زوجته لإجراء الفحوصات والتداوي, ولم يدر في خلده أن حتفه سيكون في هذه الزيارة التي هدف منها البحث عن التداوي, ولم يخطر ببال أي مواطن يمني مهما كان حسه الأمني أنه سيحصل في قلب وزارة الدفاع مثل هذا القتل، كون هذه المنطقة يفترض أن تكون أكثر أماناً، ولذلك أراد المنفذون لهذه الجريمة ومن يقف خلفهم، إيصال رسالة بأنه لا توجد منطقة آمنة في الوطن كله، وأن الجميع بمتناول اليد مهما كانت حصونهم..
ولا شك أن من يقف وراء هذه الجرائم يريد خلط الأوراق وتحقيق مآربه ومخططه الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بخلخلة الأمن وزلزلة الوطن، ولا يستطيع أي ناظر بسيط أن يعفي الدولة والحكومة مما يحدث في الوطن والتعامل السلبي مع الأحداث، فهذا السلوك الذي تتبعه الدولة والحكومة وأجهزتها شجع المجرمين والعابثين وأصحاب المشاريع الصغيرة ومراكز القوى المرتبط بقاؤها باستمرار الفوضى, شجع هؤلاء جميعاً على المضي في مخططاتهم لتحقيق مآربهم, بل إنه شجعهم على التهور ولم تسلم منهم أي جهة، لأنهم يدركون أن ردة الفعل ستكون عبارة عن بيان إدانة، وتشكيل لجنة معروف نتائج تحقيقها قبل أن تبدأ, وفي الأخير تلصق الجريمة بالقاعدة التي أصبحت شماعة للجميع، وتُسهّل المهمة على المجرمين وعلى المحققين، وهذا لا يعني أن القاعدة لا ترتكب جرائم, فهناك عمليات نوعية تستهدف مسئولين, وخاصة الأمنيين منهم, كما تستهدف أجانب, وهذه جرائم يدينها ديننا الإسلامي الحنيف وكل الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية.. لكننا ما سمعنا أن القاعدة تصفي مرضى وأطباء وتستهدف مستشفى.
سبق أن كتبت عن مقتل العسكريين في شقوة في مواقعهم، وخروج المجرمين سالمين، وبعدها تم اقتحام مقر المنطقة العسكرية في حضرموت وتساءلت: كيف نطلب من الجيش حماية وطن إذا لم يحمِ نفسه؟.. وأنا هنا لا أقصد أن الجيش أو الأمن اليمني أقل كفاءة من أي جيش أو أمن في الدول الأخرى، ولكن الخلل قيادي وإداري.. واليوم تم استهداف وزارة الدفاع في قلب العاصمة.
جيشنا وأمننا بحاجة إلى رد اعتبار قوي باتخاذ قرارات مصيرية وتاريخية ترد لهما هيبتهما وتزيل الضعف والاختراق منهما، ومالم يتم ذلك بأسرع وقت ممكن فإننا سنعيش في خطر أشد ونتوقع كوارث أكبر.. ويجب أن لا نتهم أي طرف جزافاً، وإنما على الحكومة والدولة التوضيح للشعب من هم المجرمون ومن يقف وراءهم، مع عدم الاكتفاء بذلك, بل الأهم هو الإجراءات السريعة والشجاعة التي تعيد لهذه الأجهزة هيبتها بعيداً عن المحسوبية والحسابات الضيقة، مستلهمين اللحظة التاريخية الحرجة التي يمر بها الوطن، التي تحتم على الجميع الاصطفاف الوطني، وتكون الرسالة قوية للمجرمين ولمن يفقون وراءهم بأن مثل هذه الجرائم لا تزيدنا إلا ثباتاً وعزيمة وتصحيحاً للأخطاء وإصلاحاً للقصور.. فهل سنشهد مثل ذلك من قيادتنا الرشيدة مستلهمين قول الخليفة الراشد عثمان ابن عفان, رضي الله عنه:( إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن).
رحم الله الشهداء الأبرار الذين قضوا نتيجة هذه الجريمة الشنعاء وأسكنهم فسيح جنته, وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وحفظ وطننا وجنبه المحن.. "إنا لله وإنا إليه راجعون".
محمد مقبل الحميري
جريمة وزارة الدفاع 1634