عندما كنا صغاراً كنا نردد النشيد المجيد:
أنا يمني واسأل التاريخ عني أنا يمني!
وكنا نمتلئ بشعور الفخر والعزة, ونباهي الأكوان بيمننتنا ونحن نشدو بهذا النشيد!
وبعدما كبرنا, وصرنا نسمع الصغار يشدون بهذا الشدو العذب تغير الحال, حيث يعتصرنا الألم, ويملأنا الشجو لذلك الإحساس الجميل القديم الفقيد, والذي غدا غريباً عن شعورنا, لأن مساحات وجداننا المتزاحم فيها صور التخلف والفساد, والسلطوية, والتشرذم, والتبعية, والخيانة لم تعد تطرب لهكذا نشيد!
هل كان يكذب شاعرنا علينا؟
أم هو يلمح بأن لا شيء يستحق الفخر لإنسان هذا الوطن في حاضره.. فليتماهى في عالم تاريخه المشرق بالأمجاد التليدة!
لكن, سواء أكان شاعرنا صادقا أم كاذباً, ممتلئا بشعور الفخار لحاضر اليمن أم لماضيه, فقد أفلح في غرس قيم عظيمة في نفوسنا, فنشأ جيل فتي, وفيّ, متيم بك يا يمن؛ بجبالك.. بسهولك.. بسمائك, وثراك.. عاشق لعرفك الممزوج بعبق الأجداد, والذي ينضحنا مع كل هبة رياح تثير غبار أرضك فيهتز لعطره ولاؤنا, لتتجذر في القلوب كل معاني الفداء والتضحية من أجل رفعة اليمن..
كلنا نشأ على هذا الزخم الوطني المنقطع النظير, فما بال البعض يسهل عليه هوانك يا يمن؟!
ما بال البعض يستلذ برائحة الدماء تسيل من أطرافك, ويمد كفا آثمة تمزق أحشاءك؟!!
يبيع الولاء لأقصى اليمين, أو لأقصى الشمال, للأصفر, أو للأخضر, ولكل الألوان؟!!
ولماذا هذا البعض هو من تسنم مراكز التأثير والسلطة فيك يا وطن؟
لماذا يعجز الصادق, ويتقهقر لتخلو الساحة للمرتزقة وللخونة؟
أين شبابك الثائر, المتجرد, الحر؟!
عندما هبت ثورة التغيير في اليمن, وكانت الشوارع تكتظ بالمناضلين السلميين, وكانت بعض المسيرات تصل لمئات الألوف فتأخذنا دهشة تساؤل: كيف خرج المارد من قمقمه؟!!
هل هي روح من الله دفعت بهذه الأمواج البشرية لتهدم عروش الظلم..؟
واليوم أين تلك الجموع.. أين روح الشباب الثائر؟؟
لماذا خبت روح الثائر في إنسان اليمن سريعاً؟
هل كانوا كوادر الفرقاء فحسب, وعندما جلس سادتهم في مقاعد موفمبيك الوثيرة واسترخوا, استرخى الشارع التابع لهم معهم؟
وهل نفتقد في اليمن, القائد الفذ الملهم, المتجرد, الذي يمكنه تحريك الروح هذه من جديد, وقيادتها بصدق وبصيرة نحو الهدف الصحيح؟
ثم ماذا بعدما وصل الحوار لمفترق هاوية, وانزوى في ظل حمأة حرب استنزاف منهزما, مكبل الأيدي, مغلول الأركان؟
رئيس متقلص الصلاحيات, وحكومة أحزاب هزلية, متهالكة على مصالحها الخاصة, وجيش ممزق الولاء؟!!
اليمن تبكي بحرقة متسائلة:
هل آن لروح الثورة التصحيحية الصادقة أن تهب مجدداً, فنخرج مستبصرين, لنصحح المسار.. نطرد غربان الحروب, والخفافيش الخرفة..؟
نصنع يمنا مجيدا, نعتز بانتمائنا له دائما وأبدا, ونعود لندندن بصوت قوي, صادق:
أنا يمني واسأل الحاضر عني أنا يمني !!
نبيلة الوليدي
ثوار الموفمبيك..حتى متى..؟!! 1398