إذا ما كان هنالك ثمة خطأ يستوجب ندم علي سالم البيض ويستلزم إصراره على استعادة الدولة الجنوبية؛ فهذا الخطأ لا أظنه فقط في التوحد الفوري الذي لم يراعِ فيه طبيعة الفروقات الاقتصادية والمجتمعية والثقافية الكائنة في الجنوب والشمال، بل خطأ البيض الجسيم بكونه سلَّم دولةً وشعباً للرجل الخطأ الذي لم يكن يوماً رئيساً لدولة وشعب، أو انه سيكون رئيساً نزيهاً وعادلاً وكفؤاً لقيادة زمام دولتين متوحدتين وفي كيان واحد.
هبة شعبية وقادة فصائل
الهبة الشعبية كانت مذهلة من ناحية كثافة جماهيرها المتظاهرة صباح الجمعة، فقياساً لزخم الحضور في الشارع كان الغائب الأبرز هو الاتفاق على قيادة واحدة ووسيلة واحدة، فبرغم أن الغالبية الساحقة تكاد مجمعة على غاية استعادة الدولة, إلا أن اختلافها في ماهية الوصول إلى الهدف شل فاعليتها وأعاق مسيرتها نحو غايتها المنشودة.
نعم رأيت سيلاً بشرياً يتدافع بقوة وكثافة، وبالمقابل أيضاً أيقنت كم هي المأساة مستفحلة بفقدان القائد الملهم والموجه والموحد والمنظم لإيقاع وأداء هذه الحشود الوفية والعفوية؟, فمن يمتلك زمام مثل هذه الجماهير؛ بكل تأكيد سيملك قرارها وخيارها. انتهت التظاهرة بسلام وعاد المتظاهرون لبيتوهم وقراهم, تاركين خلفهم جماعات مسلحة ولعلعة بنادق وقذائف تسمع زخاتها ودويها بين الفينة والفينة.
تسأل وببراءة وبديهية : لماذا صوت الرصاص ولديكم شعب أمضى وأجدى من الكلاشينكوف والبازوكا؟, كيف انتفضت الهبة الشعبية مقفلة عائدة دون قيادة ودون مبتغى محقق, فيما ثارت لغة النار والبارود طاغية مقلقة مشهرة سلاح ثورتها؟. خيِّل لي المسألة برمتها كامنة في قادة النضال وفي ذهنهم وتفكيرهم ، فلو انهم مؤهلون لقيادة هذه الجماهير ولثقتها وحماستها, لما رأيناها تمضي في سبيلها بلا قيادة أو غاية محددة ولما رأينا هذه القيادات تتمنطق السلاح وتفضل فصيلة عسكرية عن تظاهرة مليونية.
زعيم ولديه حصانة
"زعيم ويتشبث بحصانة تقية المساءلة والعقاب؛ رئيس المؤتمر الشعبي العام ليبقي رئيساً على رئيس الدولة".. قالها الرجل بسخرية هازئة مستغربة ، ربما توقع مني إجابة حيال المسألة الملتبسة والسخيفة، فكل ما استطعت قوله هو: دعك يا صديقي من زعامة ورئاسة رجل لم يحتمل رؤية ذاته بعيداً عن كرسي الرئاسة ، فالمصيبة ليست بزعامته أو رئاسته وإنما بوجود مثقفين وإعلاميين وقنوات وصحف تقتات من إهانة عقولنا وأدميتنا وكبريائنا ، ومن انتهاك مشاعرنا وأوجاعنا وتضحيات شبابنا وشعبنا ، وهذه كارثة حقيقية؛ فلقد سُئل" برتراند راسل" -ذات حقبة- عن ظاهرة الانقلابات السائدة باستثناء بريطانيا فأجاب: لأن بريطانيا لا يوجد فيها مثقف واحد يمكنه صياغة بيان الانقلاب.
محمد علي محسن
البيض والرئيس الخطأ!! 1765