المشهد السياسي الراهن يزداد ضبابية يوماً بعد آخر وكل الاتجاهات مازالت لا تؤدي إلا إلى وجهة معتمة ونفق مازال يمتد في الحلكة, وأصبحت الثواني الزمنية في حياة الشعب اليمني لا تعني أو ترتبط بمقياس الزمن وحسب بل ترتبط بدماء يمنية مازالت تنهمر بغزارة مفرطة دونما حد أو منتهى. تشوهت كل المعالم والمضامين والرؤى ولا شيء يميزنا سوى التوجس والترقب لآتٍ أشد فتكاً و رعباً.
الأحداث السياسية ألقت بظلالها وتبعاتها على كل المضامين الوطنية والاقتصادية والاجتماعية ومفاهيم والولاء الوطني الذي صار يعاني العقم, وتفرق الناس كل حزب بما لديهم فرحون وغاص الوطن والمواطن في معمعة المكايدات والتقيحات السياسية والشد والجذب, وصار الجميع يعيشون تجاذبات وتذبذبات وعقم في الرؤية الواضحة و امتدت هذه التذبذبات حتى وصلت إلى منابر العلماء, التي بدورها أيضا تحولت إلى أبواق حزبية أحادية الرؤية وتسعى إلى نصره أجندات ومذاهب محددة بعيداً عن روح الإسلام والتآخي والنصح لله وللوطن والشعب ولحال البلد الذي يتراجع إلى الخلف ملايين الخطوات وغدا معلقا بخيط عنكبوت واهن يكاد أن ينقض ولم يجد من يقيمه بعد..
فصار العالِم متأرجح بين الولاء لحزبه ولمذهبه وبين دوره الحقيقي كناصح وواعظ وداعية للخير والسلام, الدور الذي يفرض عليه أن ينتهجه بعيداً عن أي ضغوط حزبية وأي أيدولوجيات مؤطرة في حدود ضيقة لا تخدم الكل بقدر ما تخدم الأنا المقيت, وضرورة أن يكون محايداً يعلي كلمة الحق حتى وإن كانت على حساب مصالح حزبه وجماعته وبالتالي ونتيجة لهذا التذبذب والتخبط فقد ظهر على سطح الأحداث وبشكل قوي جدا الخطاب الديني السياسي والمذهبي واختفى العالم المتجرد من عباءة التبعية والمُسَخِر علمه ودينه لوجه الله والوطن ولتقريب النفوس المتناحرة بلغة الإسلام الحنيف القائمة على الخير والسلام والتعايش مع الآخر.
للأسف استطاع الخطاب الديني السياسي أن يتوغل ويتسيد على منابر العلماء وأنتج العلماء السياسيون الذين بدورهم حولوا الدين إلى ايدلوجية شيطانية هادمة تخدم معتقداتهم فقط ووظفوا كل المعايير الإسلامية لخدمة المذهبية والأفكار الهدامة المدمرة وبالتالي صار الخطاب الديني خطاب متشنج موغل في الحقد, تظليلي هادم لا يبني الإنسان اليمني والمجتمع ككل بقدر ما يهدمه ويؤجج الفتن التي أوصلتنا الآن إلى الهلاك وإلى عدائية لم نعهدها أبداً في تاريخ أهل الحكمة الألين أفئدة ,خطاب يعتمد على فرض الراي بالقوة بعيدا عن مبدأ وجادلهم بالتي هي أحسن, خطاب يهدم فينا كل أواصر الإخاء ويشتت ما تبقى لنا من ألفة.
ابتعدنا كثيراً عن المبادئ الحقيقية للإسلام وصار النتيجة غياب الروح الإنسانية والعلاقات الرحيمة حتى على مستوى الأسرة والمجتمع وتوغل القتل في كل مكان بسبب ومن غير سبب وانتشرت الاغتيالات بالجملة ومنابر العلماء مازالت تؤجج للجهاد وتوقد شعلة الأحقاد ضد بعضنا البعض وتعلي من بورصة الدماء المراقة ووأد الإنسانية في نفوس اليمنيين و نجهل إلى أي مدى يريدون بهذا الخطاب أن يوصلونا بعد أن أصبحنا في الدرك الأسفل من الفتن والفناء, ألا يكفيهم ما انهمر من دماء اليمنيين الأبرياء, وما زالت تنهمر, فكم من شلالات الدماء اليمنية تكفي ومازالوا يريدون امتصاصها ليكفوا عن ظرهم هذا ويتوقفوا عن وتهييج وتغذية نزعة الشرور عند الناس وإهمال جانب الخير والتآخي فيهم عن سبق إصرارٍ وترصد؟.
في هذه المرحلة بالذات كم نحن محتاجون لعالم نقي النفس والبصيرة والفؤاد لينصح ويوجه ويعلي الجانب الإنساني المذبوح بمقصلة الغي والحقد والذي دسته التلوثان الحزبية والمذهبية تحت عباءة الفتن, محتاجون لداعية يؤم الناس تحت عباءة الوطن الموحد ويشذب السلوكيات والتصرفات التي أضحت همجية حد الموت, يلم الأرواح المبعثرة والنفوس المتكسرة والقلوب المتشظية بلغة متجردة من الحرائق, لغة الإسلام دين الحبيب محمد(ص).
نريد أن نلتقي عند نقطة التقاء تقربنا أكثر من الأمان و اليمن السعيد الذي مازالت مآقيه دامعة منكسرة نريد أن ننبذ التشرذم والفرقة والكراهية والنار ونريد ممن يعول عليهم كل هذا أن يكونوا محطات تقارب وتسامح لا أن يكونوا معول تشرذم وشتات وتناثر وعداء تودي بنا اكثر لهيجاء السعير. أيها العلماء الأنقياء الغير سياسيون, راعوا الله في هذا الشعب الكادح وفي هذا الوطن الذبيح...أمانة هما في أعناقكم..
سمية الفقيه
الخطاب الديني السياسي 1388