منذ توقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011م كان حلم اليمنيين الانتقال إلى دولة حديثة تنعم بالأمن والاستقرار والسلام والوئام والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي خصوصاً بعد أن نجحت مبادرة الأشقاء في إنقاذ بلادهم من السقوط في مستنقع الحرب الأهلية التي كانت السيناريو الأقرب إلى القدر المحتوم ولذلك فقد كان تفاؤل الجميع كبيراً بأن جهود أشقاء اليمن ستسهم إلى حد بعيد في إيقاف التدهور الأمني وشد الأطراف المتصارعة إلى التفكير الاستراتيجي الذى يراعي المصلحة الوطنية وينتقل بتلك الأطراف من دائرة الصراعات إلى طاولة الحوار والتفاهم على بناء دولتهم الجديدة التي تصان فيها وحدة المجتمع وقيم المواطنة والعيش المشترك في اطار سيادة القانون والهوية الوطنية الواحدة..
ولكن هذه الغاية لم تتحقق حتى هذه اللحظة بالرغم من كل التوافقات التي جرت في مؤتمر الحوار الوطني والنتائج التي سيفضي إليها بحكم الأوضاع الجديدة والحجم المخيف من الإشكاليات التي أفرزت نفسها خلال فترة الحوار والذى لا شك أن هناك من أراد له أن يغوص في متاهات التركة المزمنة بدلاً عن الاهتمام بقضايا المستقبل.
وبعيداً عن الإشكاليات التي ألقت بظلالها على مسارات الفترة الانتقالية التي يفترض أن تنتهي في 21 فبراير القادم والأسباب والعوامل التي أدت إلى إطالة أمد الحوار الوطني والمؤثرات الداخلية والخارجية وما يتردد في وسائل الإعلام اليمنية عن دور مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر في صياغة الكثير من آليات الحوار والتي يرى البعض أنها قد أخرجت الحوار عن مقاصده الحقيقية, فلابد من الإقرار بان اليمنيين قد ارتكبوا خلال الفترة الماضية أخطاءً جسيمة فقد أخطأوا حينما اتجهوا إلى حوار مفتوح لا تحكمه أية ثوابت أو مسلّمات وطنية وأخطأوا حينما تلكأوا في تنفيذ المبادرة الخليجية بالصورة المثلى والتي كان لتنفيذها بشفافية ونوايا حسنة أن تقود البلاد إلى حالة الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.
وأخطأوا عندما تركوا لخلافاتهم وتبايناتهم السياسية والحزبية تجرهم إلى الانقسام على أساس جهوي ومناطقي كجنوب وشمال، الأمر الذى نقل الصراع من صراع حول السلطة إلى صراع حول الدولة ووحدتها ليتولد عن ذلك فكر إقصائي لا يرى في الأخر أخاً في العروبة والدين ولا شريكاً في الوطن بل ينظر إليه من زاوية العصبية القروية ونزعات الانتماء المناطقي التي تشكل بوابات للفتن والاقتتال الداخلي.
ويمكن القول على وجه المجمل بأن الحوار الذى أراده الجميع أن يؤسس لاستقرار سياسي يبنى عليه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتعزيز الخيارات الجامعة والدافعة لاتجاه الألفة والوئام هو من قد يتحول إلى معضلة بحد ذاته اذا ما تم الرفض الشعبي لاستبدال الدولة الموحدة والبسيطة بدولة اتحادية مركبة تتكون من عدة أقاليم فيدرالية بعد أن اتفقت القوى المتحاورة على تفكيك الدولة الموحدة لتصبح اتحاداً فيدرالياً يتمتع كل إقليم فيه بسلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية, لا سيما وأن هناك قطاعاً واسعاً من اليمنيين يعتبرون مثل هذه الخطوة قفزاً إلى المجهول إن لم تكن باعثاً على تمزيق اليمن إلى عدة دويلات يسهل السيطرة عليها من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي الذي لابد وانه يتحين اللحظة للوصول إلى ذلك الهدف اذا ما أخذنا بعين الاهتمام دعوات التقسيم التي تتصاعد اليوم في حضرموت وعدن وغيرهما من المحافظات الجنوبية بعد أن وجد دعاة التقسيم في ضعف الدولة ضالتهم لتمرير أجندتهم بإقناع أبناء الجنوب بأن الظروف المتاحة لا تسمح بترف الطرح العاطفي الذى يتغنى بالوحدة بعد أن فقدت بريقها ورومنسيتها وان البديل هو الانفصال على طريقة انفصال السودان الجنوبي عن السودان الشمالي والتي جرت بشكل ودي وسلمي.
ولكن ما يغفله دعاة التقسيم أن انفصال اليمن لن يكون على الطريقة السودانية أو على طريقة الهند وباكستان أو التشيك والسلاف، أو على طريقة دول البلقان بعد انهيار يوغسلافيا, بل سيكون على الطريقة اليمنية التي تتسع لقائمة طويلة من مشاريع الحروب المستقبلية وأنهار من الدماء التي لن تردم بحوار وطني أو محاصصة مناطقية أو بأمنيات تحلق بعيداً عن الواقع.
الرياض
علي ناجي الرعوي
اليمن..أين الخلل؟! 1662