قيل بأن أشياخ القبيلة والمذهب حرصوا كثيراً على مقابلة الرئيس، لقد أرادو سماع الكلمة السحرية من لسان الرئيس هادي وفي داره الذي لم يغادروه سوى بعد أن اطمأنت قلوبهم الوجلة وهدأت نفوسهم المفزوعة على هذه الوحدة، فبرغم انهم سمعوا من الرئيس ما يخفف روعهم ويجعلهم يأوون إلى بيوتهم وقبائلهم وغنائمهم بنفس راضية وذهن غير مبال أو مكترث بخلافات مؤتمر الحوار, ولا بما تنشره وتبثه وسائل الإعلام؛ إلا أنهم ومع كل التطمينات لهم بحفظ الوحدة وبكيان فدرالي متعدد الأقاليم اصروا وألحوا على الرئيس لأن يقسم لهم على المصحف الذي جلبوه عنوة لهذا الحنث العظيم .
المهم الرئيس هادي لم يستفزه طلب المشايخ، ابتسم ابتسامة الحليم المضطر لحلف اليمين، مد يده اليمنى وبسطها على كتاب الله المحفوف ببركات أصحاب الفضيلة ودعوات مشايخ القبيلة، ثم اردف وبلكنة بدويه خجلة وقروية قائلاً : اقسم بالله وبحروف كتابه هذا أنني لن اسمح بتمزق البلاد وسأحفظها موحدة ما بقي في نبض وحدوي كما ولن اقبل بفدرلة ثنائية شطريه ولو اضطرني ذلك للتضحية بحياتي وليس فقط فقدان الرئاسة " .
ودعوا الرئيس بثغور فاغرة ضاحكة مسترسلة بلؤمها وخبثها، اطلقوا لعنان ألسنتهم كي تلهج بعبارات الشكر والثناء لقائد مسيرة حفظ الوحدة، اطنبوا في مدحه والإشادة بفيض كرمه وحماسته وكذا وعده لهم وقسمه العظيم، قالوا في مؤتمر الحوار ما لم يقله الشاعر جرير بالفرزدق قدحاً وذماً وهزلاً، نفضوا عن وجوههم الحياء وشمروا أيديهم ونفوذهم للهدم والتخريب والإرهاب والخطف والخوف والقتل وسواها من الأفعال الوقحة الوائدة المخاتلة لكل المبادئ والقيم الإنسانية والسماوية .
اليوم نراهم يتخندقون في جبهة الوحدة ضداً على الرئيس هادي ومؤتمر الحوار وفدرلة البلاد ، ينظرون شزراً إلى ما يحدث في محافظات الجنوب دونما يفعلوا شيئا ذات قيمه ومنفعة لأولئك الساخطين المحبطين من الوحدة ومشايخها وعساكرها الفاسدين الناهبين الجشعين، وعندما يقترب فرقاء الفعل السياسي من ملامسة عصب المشكلة والحل, يكون الرد سريعاً من هؤلاء المشايخ وعلى غرار ما فعلوه حيال جمهورية الضباط الأحرار وهي في مهدها ومن خلال مؤتمر عمران 65م وإزاء إصلاحات النعمان والعيني وتصحيح حركة الحمدي 13يونيو 74م
فكأن ما يجري في حضرموت وعدن ولحج والضالع وأبين وشيوه هي أفعال حاصلة في كوكب المريخ أو المشتري لا في جغرافية بلاد مازالت واحدة أو أنها كذلك, كأنهم ينفضون عن انفسهم وأيديهم أية صلة بهذا الجنوب الثائر الساخط, فهذه الوضعية المضطربة أمرها يتحمله الرئيس هادي وحكومته الفاشلة، غضب وعنفوان لا علاقة البته له بتوحد فاشل تم وئده والغدر به من ذات القوى المتحالفة في الأمس واليوم، انه مجرد غضب فائض لا يستحق إذعان الناهبين المغتصبين الوجلين الآن على ضياع مغانمهم.
نعم رفضوا فدرلة اليمن إلى سبعة مخاليف حين كان مجتمع الجنوب مازال شريكاً في السلطة والقوة والوحدة ، كما وانقلبوا على وثيقة الحوار الوطني الموقعة من كافة القوى السياسية في فبراير 94م فبدلاً من تنفيذ نصوصها الحداثية التي قيل فيها أطراء ومدحاً ما لم يجرؤ عليه مالك في وصفه للخمرة .
قبل انقلابهم على اتفاقيات الوحدة وعلى دستورها ومضامينه الحداثية فضلاً عن رفضهم لوثيقة الإنقاذ " وثيقة العهد والاتفاق " كان لهذا التحالف المشؤوم قد انقض على مبادئ وأهداف ثورة 26سبتمبر 62م وعلى جمهوريتها الفتية التي لم تستطع بسط نفوذها على كامل سيادتها بسبب خطأها الجسيم حين منحت أشياخ القبيلة سلطة على أقيالها ومناطقها .
ومن وقتها وهذه الجمهورية لم تقم لها قائمة، كما ومن تجليات استئثار مشايخ القبيلة والمذهب على سلطة الدولة هو إسقاط المشير السلال إثر انقلاب ابيض يوم 5نوفمبر 67م واغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي 11 أكتوبر 77م ؛ بل وسقوط كل فكرة تالية من شأنها إحلال الدولة بدلاً عن إقطاعيات ما قبل الدولة والثورة والجمهورية .
عطلت لغة العقل والحكمة والحوار والرؤية واستبدلت وقتها بدخان البارود ولعلة الرصاص وصليل المجنزرات وقرابين الضحايا المزهقة على قارعة فرض الوحدة بالقوة والجبروت والفيد والإقصاء والزيف والتضليل .
اعجب ما في اللحظة الراهنة هو أن الأمس يعيد إنتاج ذاته وبشكل سافر غير مبالي بشروط وأدوات الحاضر، فمشايخ المذهب والقبيلة يستنفرون قواهم التي حشدوها كعادتهم إلى العاصمة صنعاء وإن هذه المرة ليس بزخم مؤتمر الجند في تعز قبل اندلاع حرب 94م أو انه بهواجس مؤتمر صنعاء بعيد احتلال أفغانستان والعراق 2002- 2003م وقبيل ثورات الشباب بمدة وجيزة ؛ لكنهم ومع كل تلكم الفوضى السائدة قدر لمشايخ المذهب الاصطفاف بوجه وثيقة العهد والاتفاق كما وقدر لهم وقف فكرة الدولة المدنية ومحاربة الإرهاب وتنظيم السلاح وتوحيد التعليم وغيرها من القضايا الملحة والأساسية لبناء كيان الدولة الحديثة ؟
اليوم نراهم وجلون وجزعون جداً على الوحدة والعقيدة المهددتين من مؤتمر الحوار ومن نتائجه الكارثية الوخيمة على البلاد والعباد، ومعهم كل الحق إذا ما تداعوا الآن وأمس، فهم لا يرون مصلحتهم في مقررات مؤتمر الحوار التي بكل تأكيد ستذهب بسلطانهم ونفوذهم ومكانتهم المكتسبة جميعها من هيمنة المذهب والفتوى والحسب والنسب وسواها من المحددات والامتيازات التي يستحيل عليهم تحقيقيها في ظل معايير عادلة معتمدة في الدولة المدنية .
محمد علي محسن
المشايخ والمصحف وحنَث الرئيس 1701