الإنسان كائن اجتماعي, واقع لا جدال فيه, فالرغبة في التوافق مع الآخرين فطرة جبل الله تعالى عليها البشر!
لا يستطيع أحد اعتزال الناس بالكلية, ولا يمكنه الانقطاع التام عن التعامل معهم, حتى وإن حاول ذلك؛ فسرعان ما ترده فطرته لمحيطهم! يصبح كل من حولك مصدر قلق وتعاسة, لكنك- برغم ذلك- تبقى تدور في فلكهم دون وعي!..
وخلال هذا التعايش الجبري, تجد نفسك موسوماً بالكثير من سماتهم, وتتصرف بذات أسلوبهم, دون بذل جهد منهم لغسيل دماغك..! لذا نرى الجماعة المتحدة تتكلم بذات المفردات, وتكاد تفكر بذات التوجه, وتستعمل ذات المساحة المحددة من الدماغ؛ بل وتترجم إراداتها بالأسلوب الواحد..! الذي يغامر, ويدرج نفسه في تجمع ما, ضمن منظومة ما.. معتقداً بأنه لن يتماهى فيها, وسيبقى محتفظا بإرادة مستقلة, هو مغرور واهم! لأنه - سواء شعر أم لم يشعر - سيصبح, بعد مرور بعض الوقت جزءا من هذه المنظومة؛ بل وسيدافع عنها باستماتة..
وسيرى الكثير من أخطائها صوابا, وحقا!! وقد شبّه محمد "صلى الله عليه وسلم" العملية بجلوسك أمام نافخ كير أو بائع مسك.. ستتلطخ شئت أم أبيت!!
مراسل لقناة عالمية ( ناطقة بالعربية ).. يدبج محاضرة طويلة للتأكيد على حياديتها, شارحاً كيف أنها تعطيه حرية واسعة في اختيار, وتغطية الأحداث..! مع أنه ألمعي وذكي, غير أنه بدا مقتنعا بما يقول, غائباً عن حقيقة أن المنظومات الإنسانية المستحدثة أضحت غاية في الدهاء, والتعقيد, ولم تعد تطرح أسساً بسيطة واضحة للمنتمي لها, وحتى أنها لا تستعرض شروطاً مطولة لذلك, مكتفية بتأثير سنة التوافق الفطري, والكفيلة بصهر كل من أقترب منها في بوتقتها رغما عنه, خاصة إن كانت ستفي بحاجاته الأساسية في الحياة! أصحاب الإرادة الحرة, والفكر المستقل, يعانون كثيراً في سبيل الاحتفاظ بتفردهم ونقائهم وسط هذا كله..! هم الغرباء.. وفرسان الزمن الصعب.. فطوبى لهم!
نبيلة الوليدي
الانصهار الخفي.!! 1288