إن الجاهل والمتعصب لا يمكن أن يكون مواطناً صالحاً ولا يستطيع أن يشكل رأياً صالحاً في القضايا العامة في بلده، ما دام مخموراً بولائه الضيق وأحكامه المسبقة ، وأن الديمقراطية تقترن بالظواهر التعددية؛ تعددية في الآراء وتعددية في الأحزاب السياسية، وتعددية في السلطات وتعددية في الرأي العام، وهي نظام لم يكتب له النجاح إلا في الدول التي استطاعت أن تحقق عاملين هامين: الارتقاء بالفرد إلى مرتبة مواطن بمواصفات الوعي ،وترسيخ السلطة في شكل مؤسسات معقلنة كي تنتقل من مرحلة التركز في مصدر واحد لتتوزع على مؤسسات ناضجة مجردة من الصفة الشخصية.
وهذه التعددية وهذان العاملان في مجملهما يؤديان إلى إدراك ضرورة محاربة داء العصبية في أوساط المجتمع ومؤسساته ،حتى ينتقل أفراده إلى المواطنة المتساوية التي تتجرد من الولاءات الضيقة ،وهي تتعامل مع قضايا الوطن الذي يعيش فيه الجميع.. فما أقبح تعصب الفرد !! ولكن أقبح منه تعصب المؤسسات الرسمية أو المنظمات الأهلية وأقبح من ذلك عصبية الأجهزة التي يفترض فيها نصرة المظلومين وبيان حقوق الناس كالقضاء والنيابة وأجهزة الرقابة والإعلام و ... إلخ.
إن ريش الفساد لا ينتفش إلا بوجود النفعيين المتعصبين لبقائه وأن المفسدين يعلمون أن مصالحهم مرهونة ببقاء فيروس العصبية المذهبية والقبلية والحزبية الذي يكتسح القضاء و الإعلام ورجال الدين والناشطين والناشطات وكبار الساسة وصغار الموظفين.
إننا نجزم أن العدالة في أي بلد بكل صورها لا تتحقق إلا بابتعاد المسئولين عن العصبية وعن تأثيرات العصبية الحزبية أو المناطقية أو القبلية أو الطائفية ، وقد اضطرت سنغافورة وهي الدولة الأعلى دخلاً للفرد في العالم عند تأسيسها إلى فرض اللغة الإنجليزية كحل جذري لنزع العصبية اللغوية للأعراق الأربعة التي تتكون منها تلك الدولة مع منظومة من قيم المواطنة الأخرى التي جعلت ذلك البلد من أفضل البلدان عدالة وحرية وإنتاجاً على مستوى العالم في مدة لا تتجاور نصف قرن من الزمن.
وأختتم: إن المفهوم القرآني " وتعاونوا على البر والتقوى" يبني قيم المواطنة في كل زمان ومكان، ويقضي على كل العصبيات التي تفترض التعاون على أساس العرق أو الانتماء أو الفكر أو الطائفة أو غيرها ،بل ينبغي أن يكون أساساً للإنتاج في حياة الناس لأنه يضع معياراً للتنمية, فما كان مفيداً لدنيا أي فرد فهو من البر وما كان نافعاً لآخرة أي فرد فهو من التقوى, فلا مجال في هذا المفهوم إلا للمواطنة الصالحة النقية من أي عصبية.. والله الموفق..
محمد سيف عبدالله
عن المواطن الصالح الذي يريده الإسلام!! 1384