أكثر من ١٥ ألف مواطن مسالم، يحترم الدولة وولي الأمر.. سيغادرون دماج!.. سيتركون أرضهم التي ولدوا وعاشوا فيها.. ومزارعهم.. وبيوتهم، وحياتهم.. مضطرين، بأمر من السيد عبدالملك الحوثي.. السيارات والقوافل تتوافد على البلدة المنكوبة.. لنقل آلاف من النساء والرجال والشيوخ والأطفال.. في مشهد حزين.. يرجعنا لأكثر من ٦٠ عاماً إلى الوراء.. ليجعلنا نشاهد مأساة فادحة، ماتت فيها ودفنت هيبة الدولة، وسمعة جيش مرغت في الأرض، جيش لم يعمل (وليس لم يستطع!) على القيام بواجبه الأخلاقي والوطني والإنساني، بحماية شعبه!، مشهد، ينقل لنا صورة حية لنكبة فلسطين ١٩٤٨م لتعود من جديد.. ويجعلها تتكرر الآن، بكل حذافيرها، وبكل فصولها التراجيدية الشاخصة اليوم، في وجداننا وذاكرتنا، رغم مرور كل هذه السنين الطويلة.!.
***
ماذا نتعلم من الدرس؟!.. نتعلم الآتي: الدرس الأول: انه لم يعد لدينا جيش ودولة تحمينا!.. هكذا ببساطة واختصار!.. والذي يحز في النفس، و يجعلنا نتساءل بحيرة وألم.. هي تلك المليارات والأموال الضخمة، من الميزانية السنوية والمخصصات الهائلة، التي تصرف على جيش طويل عريض.. تعداده تجاوز ال٣٠٠ ألف عسكري تقريبا، إن لم تخني الذاكرة، بعدهم وعتادهم، لكن.. في ساعة الجد.. والاختبار.. هذا الجيش كله، لم يسمن ولم يغني من جوع.. وسمح لعصابة وحفنة قليلة.. إن تحتل محافظة كاملة.. وتهجر شعب بأكمله، قرابة الـ ٥٠٠ ألف مواطن، هجروا في دماج، وفي كل مدن وبلدات صعدة المحافظة ، من قبل دماج!!.
***
هناك محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع على الشعب اليمني.. ملاحظ هذا بقوة إزاء ما جرى بدماج.. كنا سنتفهم ما فعله الرئيس وسلطته.. من طرد أبناء دماج السلفيين.. من بلدتهم وبلادهم، وكنا سنتفهم قمع وافتراء الرئيس وسلطته والدولة بكل مؤسساتها على أهل دماج، لو رأينا نفس طريقة المعاملة طبقت على الحوثيين.. رغم أننا نرفض من حيث المبدأ، المساواة بين الضحية والجلاد!، بين المعتدي والمعتدى عليه، لكن دعونا نتجاوز هذا الأمر.. وننظر كيف تصرفت الدولة بكل عنجهية وعدم صواب.. بل وباستفزاز لمشاعر أبناء الشعب اليمني، بكل فئاته، حين وقفت في صف الحوثي المعتدي، المتمرد أصلاً على الدولة.. !.. والله إن ما جرى عجيب.. عجيب بحق!..
***
انه تصرف من الدولة غير مسؤول.. فيه استفزاز للمشاعر الوطنية.. حين يتم الانتصار للمتمرد القاتل .. والدوس بقسوة، على المسالمين، الذين يحترمون الدولة والقانون، والذين لم يرفعوا يوما ، السلاح على الدولة، ولم يحتلوا محافظة أو منطقة، ولم يقتلوا مواطن، ولم يعتدوا يوما على مؤسسات.. فيكون هكذا جزاءهم.. !.. لا نامت أعين الجبناء!.
***
إن المفارقة المضحكة المبكية في الأمر كله، قالها أهل دماج: (كان من المنتظر أن تقوم الدولة والحكومة، بحمايتنا من عدوان الحوثي، ، لكن الذي حصل هو عكس كل التوقعات!.. حيث بدلا من أن تقوم الحكومة والدولة بطرد الحوثي من أرضنا ورفع عدوانه عنا !.. قامت بطردنا نحن وتهجيرنا من أرضنا!!).. لا تعليق!..
***
لكن .. هيهات .. أن يثبط هذا إرادة شعب اليمن.. أهل المدد.. كما اخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.. إنها جولة صغيرة جدا.. من معركة عظيمة جدا.. يخوضها اليمنيين.. ليس ضد عصابة الحوثي فقط.. بل ضد دولة ايران كلها من خلفه.. وبعض عائلات دول مجاورة.. وعنجهية ووقاحة وجبروت أمريكا وفرنسا وبريطانيا.. الذين ضغطوا على سلطتنا الضعيفة الهشة.. واجبروها أن تتخلى عن مواطنيها الصالحين المسالمين.. وتقف في صف عصابة متمردة.. عصابة تخدم مصالح وأجندة قوى خارجية طامعة في حياتنا.. وثرواتنا.. وخيراتنا .. وأرضنا .
***
قناة يمن شباب في خبر لها قبل أسبوع قالت: نقل ٢٥ جريحا (سلفي ) للعلاج من دماج .. الخبر عادي.. لكن احزنني امر.. كلمة(سلفي!!).. اعتب كثيرا على القناة الثورية الوطنية التي احترمها كثيرا.. ونظن فيها الخير، وأقول لهم، وأصحح الخبر : نقل ٢٥ جريحا (يمني)!!.. مواطن (يمني)!!.. وليس (سلفي)فقط.. فحين يتعرض يمنيون لعدوان وظلم.. يكون تعاطفنا نحوهم خالص، لمواطنتهم ويمنيتهم، قبل انتمائهم السياسي أو الفكري.. إذن ٢٥ جريح (يمني)!.. وليس(سلفي).. يا قناة يمن شباب.. التي نحبها ونحترمها.. مع تقديرنا لكم.
***
إن تهجير شعب دماج من أرضهم ، يشكل بداية، وتأسيس لحرب طائفية بين الشعب اليمني كله من جهة، و الحوثي كجماعة عنصرية عدوانية من جهة أخرى!.. وتصريحات مستشار الرئيس التي قال فيها:(اتفاق دماج فوت الفرصة على إيران لإشعال حرب طائفية!).. كلام غير واقعي، فالعكس هو الصحيح!، إذ أن هذا الاتفاق الجائر، أسس بشكل هائل للانتقام، فالظلم لا يجر إلا انتقاما!، والناس ترى أن ما جرى من ظلم لأهل دماج السنة.. سيشعل فتنة وحروب انتقامية طائفية ضد كلما هو حوثي.. !.. المراقبون يقولون : سيكون الحوثي مستهدفا في كل قبيلة وقرية ومنطقة.. !.. لصد ودفع أذاه وشره.. كيف لا !، بعد أن رأى الكل خطره على كل مواطن يمني مخالف له في المذهب والفكر!، رأى الجميع، إن القصف والقتل والتنكيل والتهجير، هو جزاء كل من يخالف الحوثي، أو يعترض عليه!.. وما تهجير الحوثي لأهل دماج وحربه عليهم وقصفهم، إلا لأنهم مخالفين له في الفكر والاعتقاد.. فقط!.. لا لشيء آخر.. فهم لم يعتدوا عليه، منذ أن أنشئ كيانه الطائفي باليمن على يد النظام المخلوع، لم تسجل حادثة اعتداء واحدة لأهل دماج على الحوثيين، ولم يذهبوا يوما للاعتداء عليه في مران أو سفيان وغيره من المناطق التي يحتلها ويسيطر عليها.. إذن، الحوثي يستهدف اليمني لأنه يمني وسني فقط.. الحوثي فتح أبواب الفتنة على اليمن، بدعم وتمويل وغطاء إيراني أمريكي فرنسي سعودي، وبدعم كامل ومكشوف أيضاً من بقايا النظام السابق، الذي لا ننسى انه هو أول من أسس وأوجد شيئاً في اليمن اسمه:(الحوثي!).
***
في بلدنا هناك امر سيء وخطير يمثل واقعا حاصلا للأسف.. وكنا نتوقع أن ينتهي هذا الأمر تماما، بعد الثورة الشبابية الشعبية.. لكن .. لا زال هذا الواقع الخطير يلقي بظلال الموت على أبناء اليمن.. هذا الأمر هو: استمرار بقاء القيادات الأمنية الفاشلة (والمتآمرة والفاسدة في أحيان كثيرة).. والدليل.. أنه بعد كل كارثة تحصل.. لا يتم محاسبة أي قائد عسكري أو مسؤول امني بالمرة!.. لماذا.. هل هو رضا على أدائه السيء، ورضا على الواقع الأمني البشع والمزري، الذي تعيشه كل مدينة ومحافظة في كل أنحاء اليمن؟.. حقيقة لا نعلم ما الذي يجري بالضبط!.. لكن، من لا يحاسب المقصرين والمتآمرين، إذاً فهو شريك معهم، وراضي عن نزيف الدم لليمنيين، الذين يتساقطون كل يوم .. وكل دقيقة!.
***
السؤال الآخر أيضاً: كيف يتم معاملة الحوثي كجماعة سياسية عادية، وهو يهجر مدينة بأكملها (١٥ ألف إنسان )من بلدة دماج المنكوبة.. !!.. وكيف سيكون لاحقا طريقة التعامل معه، من قبل عامة الشعب.. بعد أن رأينا جميعا.. حقيقة مشروع الحوثي الإقصائي التدميري العدواني تجاه اليمن، واليمنيين!..
***
والسؤال الأخطر.. والذي لم ينتبه له اكثر الناس، ، لانهم لم يفيقوا بعد من الصدمة ، وهو: بعد استيلاء الحوثي على دماج السنية.. وتهجير أهلها السنيين، ستصبح دماج الآن متهيئة لان يضمها الحوثيين لمحافظة صعدة، ولمملكتهم الإمامية بالأصح!، لتكتمل حلقة سيطرته على محافظة صعدة الآن بالكامل، بعد ضمه لدماج ، أخر معقل سني في المحافظة..
هل انتبه الشعب اليمني، بشبابه وأحزابه وسياسييه والقبائل وكل فئاته إلى أن الخطوة التالية ستكون كالاتي: سيفرض الحوثي على أصحاب القرار، وعلى السلطة الحالية، (وهو المدلل الذي لا يرفض له طلب!)، خاصة بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني.. وخاصة أيضاً بعد اتفاق كل الفرقاء والأحزاب والنخب على خيار الفيدرالية كشكل للدولة الجديدة في اليمن!.. طيب.. الأمور ربما ستتجه كما يلي : سيطلب الحوثي.. أن يتم منحه في التقسيم الجديد للدولة، إقليم كامل ملكه وحده، في محافظة صعدة المحتلة.. إقليم شيعي بحت، سيمنع أي من العيش فيه أي شخص، ليس على المذهب الاثني عشري الشيعي!.. الخطر هنا، أن هذه ستكون اللبنة الأولى لتمزيق اليمن رسميا طائفيا.. !.. وان تم الموافقة على رغبة الحوثي تلك، سيكون هذا، استمرار للاعتراف من قبل الدولة والشعب والجيش، باستمرار اختطافه لصعدة والتنكيل باهلها، واستمرار طردهم من أراضيهم وأملاكهم وبيوتهم، لأجل إرضاء الحوثي، ودعم مشروعه في إقامة دولته الطائفية في قلب اليمن.. ستكون النتائج وخيمة، وسيمثل هذا الخطوة الأولى، لإنشاء كيانات ودول أخرى، داخل الدولة اليمنية.. وسيشجع هذا الباقون، ممن لديهم خصومات مع الدولة اليمنية وحقوق ومظالم، أن يطالبوا هم أيضاً بمنحهم دولة داخل الدولة،، أسوة بالحوثي.. لهذا يجب النظر والالتفات بعين الجدية والمسؤولية، لما سيجرنا اليه، السكوت عن الفتنة التي تجرنا لها دول الخارج وقوى داخلية، وضرورة الإسراع بقطع كل يد تجرنا لهذا.
لينا صالح
دماج لا تحزني.. إنَّا قادمون 1498