اتفق مع الرأي القائل بان المرحلة الانتقالية التي بدأت قبل عامين ورثت ركاماً هائلاً من المشكلات والأزمات والصراعات المزمنة والمستحدثة وان قيادة هذه المرحلة قد جاءت إلى السلطة في لحظة كانت فيها البلاد منقسمة سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وتغرق في حالة من الفوضى والاقتتال والعنف والدماء والتناحر وان أوضاعاً كهذه قد اقتضت من تلك القيادة ممثلة برئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني التركيز أولاً على تبريد الجبهات المتقابلة وتأمين عودة الخدمات إلى المواطنين وإنهاء انقسام الجيش وكل ما يتعلق بتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وعلى وجه الخصوص ما يتصل بموجهات التسوية السياسية وجمع الأطراف المتصارعة على طاولة الحوار لوضع خارطة طريق للمستقبل والعبور بالبلاد إلى بر الأمان والاستقرار.
ولا أخال أن هناك من قد يختلف معي أيضاً على أن هذه الوضعية الاستثنائية وما رافقها من انقسام وانشطار داخل النسيج الاجتماعي قد انعكست بتأثيراتها على مكانة الدولة وهيبتها لتنتشر أشكال كثيرة من أشكال الفوضى سمحت للبعض باستغلال انشغالات القائمين على الشأن العام بإدارة الأزمة السياسية الحادة التي تمر بها البلاد للقفز إلى المشهد ليس لمساومة الدولة وابتزازها وحسب وإنما للتطاول على هيبة الدولة قناعة منه بان الدولة هي من الضعف بما يمنحه الحق في الظهور كدولة داخل الدولة والخطير في الأمر أن مخطط إسقاط الدولة أصبح يعبر عن نفسه في صور شتى بعد أن ظهرت العديد من التكتلات التي تنافس الدولة صلاحياتها بحيث أصبحت لدينا محافظة في شمال الشمال تتمتع بالحكم الذاتي ومحافظة في الشرق تتمدد على مساحة تصل إلى 38% من مساحة اليمن تسير في هذا الاتجاه ومحافظات في الجنوب تدار من قبل مليشيات مسلحة لا صلة لها من قريب أو بعيد بجهاز الدولة منتظرة اللحظة التي تتمكن فيها من سلخ هذه المحافظات عن كيان الدولة الأم, فيما القائمون على شأن هذه البلاد منهمكون بكل حواسهم في حل الخلافات القائمة حول عدد الأقاليم التي ستتشكل منها الدولة الاتحادية المنتظرة والتي لا ندري من أي تلة أو مرتفع ستتمخض هذه الدولة اذا ما كان جبل الدولة الأم يتهاوى بعد أن افتقد مناعته تحت تأثير الضربات الموجعة التي يتلقاها من قبل ميولين جانحين؛ على الأقل الأول يرى في الأخر زنديقاً ومارقاً عن الدين, والثاني لا يعترف بالأخر أخاً في المواطنة وشريكاً في الوطن.
استفسرت من صديق ينتمي إلى محافظة حضرموت عن أصل المشكلة التي كانت وراء ما يعتمل اليوم في هذه المحافظة من اختلالات أمنية وتمرد على سلطة الدولة باعتباره ادرى بشعاب محافظته فقال : إن ما يجري في محافظة حضرموت لا علاقة له بأية مطالب حقوقية كما يطرح البعض وانه لو كان الأمر يرتبط بتلك المطالب التي تستر بها من دعوا إلى الهبة الشعبية لانتهت المسألة عند استجابة الدولة لتلك المطالب ووعودها بتنفيذها ولكن فان اصل الداء يكمن في أن هناك جهات سياسية قد وجدت في تراجع قبضة الدولة على هذه المحافظة ما شجعها على اقتناص الفرصة التي ظلت تراودها لإعادة إحياء مشروع دولة (حضرموت الكبرى) وإقناع الناس بان هذا المشروع صار قابلاً للتحقق في هذه المرحلة وان حضرموت أمام فرصة لن تتكرر لإقامة دولتها المستقلة التي ستكون مؤهلة للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي لما تتمتع به من مزايا اقتصادية وثروات نفطية وغازية تجعل منها محط اهتمام الجوار الإقليمي والمحيط الدولي.
وعلى إيقاع هذا الخطاب الذى يدغدغ عواطف البسطاء- كما يقول ذلك الصديق- فقد خلعت الهبه الشعبية التي دعا إليها حلف قبائل حضرموت رداء السلمية واستبدلته بالعمل المسلح في مواجهة أية مظاهر للسلطة المركزية حتى وان كانت رمزية.
لم استغرب مثل هذا الطرح فما يحدث في حضرموت يحدث في الضالع ولحج وصعده و رداع وغيرها من المناطق, لكن ما يثير الدهشة والعجب معاً؛ أن تقابل كل هذه التطورات الماحقة- التي تستهدف إسقاط كيان الدولة وتدميره- بحالة من اللامبالاة والصمت المريب من قيادة هذه الدولة ومسؤوليها في الوقت الذى لم يعد فيه أي متسع لتبرير خضوع الدولة لأساليب الابتزاز والمراضاة والانحناء لعواصف التطاول على هيبة الدولة بعد أن ثبت بالدليل القاطع على أن هناك من يدفعون بالأوضاع إلى حافة الهاوية قبل أن تتمكن السلطة من استعادة أنفاسها ورسم محددات الانتقال إلى المرحلة التأسيسية وان هذا الدور باتت تضطلع به جماعة تلهث وراء مطامعها ومصالحها على حساب إسقاط الدولة التي لا تدين لها بأي ولاء بعد أن أسقطت انتمائها بامتلاكها جنسيات بعض الدول التي أصبحت بالنسبة لها هي الوطن البديل وما يجمعها باليمن هو ما تحصل عليه من المنافع والأموال.
وأمام هذا المخطط فما ننتظره من الرئيس هادي- بوصفه من منحه الشعب ثقته- التقدم بخطوات جادة وسريعة لإعادة هيبة الدولة وإسقاط كل المخططات التي تسعى إلى ضرب مقوماتها ومن يفشل من المسئولين في القيام بواجباته عليه أن يخلي الطريق لمن يمتلكون إرادة المسئولية حيث وان الانتهازيين لا يصنعون التغيير بقدر ما يبثون اليأس والإحباط داخل المجتمع ويدوسون على كرامته ويدفعون بالوطن إلى منزلقات التفكك والشتات.
•لقد سقطت هيبة الدولة عندما حلت لجان الوساطات محل الأنظمة والقوانين وتخلت الدولة عن واجباتها في مواجهة من يعبثون بوحدة واستقرار اليمن.
•وسقطت هيبة الدولة حينما تحولت وزارة الداخلية إلى ناطق إعلامي يصدر النشرات الإحصائية بالاعتداءات على المصالح الوطنية ويقوم بالإعلان عن أسماء مرتكبي هذه الحوادث عقب كل تفجير لأنابيب النفط أو الغاز أو تخريب لخطوط الكهرباء أو شبكة الأنترنت.
•وسقطت هيبة الدولة عندما اقتحم الإرهابيون مجمع العرضي بصنعاء وعندما اقتحموا المنطقة العسكرية في المكلا واقتحموا مراكز أمنية ومناطق عسكرية كان أخر فصولها في البيضاء.
•وسقطت هيبة الدولة عندما سمح مسئولوها بسقوط بعض المناطق في أيدي المليشيات المسلحة وعندما تغاضى هؤلاء المسئولون عما تقوم به هذه المليشيات من إرهاب للمواطنين وإخضاعهم لسلطاتها.
•وسقطت هيبة الدولة عند أول نقطة دم تسقط من جندي أو ضابط برصاص عناصر التطرف الفكري ومليشيات العنف الحراكي.
•وسقطت هيبة الدولة عند كل حديث لمسئوليها عن الدولة الحديثة التي يبشروننا بها يومياً على شاشات الفضائيات, فيما هم الذين فشلوا في تقديم متهم واحد من مرتكبي حوادث القتل والتخريب والتدمير على مدى العامين الماضيين وفشلوا أيضاً في إيقاف العابثين بمصائر البلاد والعباد الذين يشيعون الخراب ويثيرون الفتن والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد.
وكمواطن يخشى على بلاده من أن تختطف منه؛ أقول صادقاً للرئيس هادي: اذا أردت أن تختار هدفاً واحداً لتحقيقه بعد مؤتمر الحوار الوطني فعليك باستعادة هيبة الدولة, فمتى ما ضعفت هيبة الدولة صعب اتخاذ القرار وتعطل العدل والإنجاز والتنمية والعمل, كما انه ومن دون استعادة الدولة لهيبتها سيكون من الصعب الانتقال بالبلاد إلى المرحلة التالية والتي ستمر فيها بثلاث محطات تبدأ بالاستفتاء على الدستور الجديد مروراً بإجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية وانتهاءً بالتأسيس للدولة الجديدة والشروع في تنفيذ معايير الحكم الرشيد وبرامج الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي .. ومهام بهذه الأهمية لا يمكن لها أن تنفذ بعيداً عن حضور الدولة وتواجدها القوي على جميع التراب الوطني بل أننا الذين لن نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة إلى الأمام ليصبح البديل هو الفوضى وضياع اليمن وذلك لن يستطيع احد تحمله.
و يا فخامة الرئيس: إن هذا المنصب لن يضيف إلى تاريخك المشرف شيئاً إنْ لم تعمل على إحباط مخطط إسقاط الدولة بشكل حازم وسريع, فبناء اليمن الجديد يبدأ من اليوم وليس غداً وأنت وحدك من يمسك بيده طوق النجاة لإنقاذ هذا البلد وشعبه من رؤوس الفتنة والتخريب داخل البلد وخارجه, فقد زالت كل الحجج والمبررات وحانت ساعة التفكير الاستراتيجي لإصلاح ما أفسده الدهر.
علي ناجي الرعوي
مخطط إسقاط الدولة !! 2618