أراد الغراب أن يكون حمامة؛ فنتف ريشه بمعاونة بني عشيرته التي أحاطت به ملبية رغبته في إزالة سواده.. في دقائق معلومة بات الغراب كائناً غريباً في فصيلته فلا انه بفعله الأحمق بقى طائراً محلقاً أسوة بعشيرته الناعقة المتبخترة في الفضاء ، أو انه نتف ريشه قرَّبه من فصائل الطيور الراجلة كالوزة والدجاجة ووو.. إلخ .
الغراب الأحمق ظن الأمر مجرد خلع لون أسود واستبداله بلون ابيض أو احمر أو ارجواني؛ لذا وما إن فعل فعلته الغريبة حتى وجد ذاته منبوذاً ومحتقراً وغريباً ليس في أهله وبني فصيلته وحسب ، وإنما بين سائر الطيور الأخرى التي أراد الانتساب إليها .
وحدها النعامة قدرت مأساة الغراب، فلطالما عانت من هكذا عزلة ، ونفي ، وسخرية من بني قومها الهازئين من كبر حجمها وقلة حيلتها عند النوائب؛ فلا هي بناقة فتحمل على ظهرها الإنسان ومنافعه ، أو أنها طائر فتطير في سماء الله مثل أقرانها الطائرة .
المفرح في صداقة الغراب للنعامة هو أن الأول عثر على من يتفهم ويقدر مأساته ، وبالمقابل وجدت النعامة في نعيقه المشؤوم ألفة جعلتها لا تهلع على بيضها أو تواري رأسها في الرمال الخضلة. أما المحزن في المسألة؛ فهذه العلاقة الاضطرارية لم تدم طويلا فمثلما جمعتهما الصدفة والضرورة والمحنة كان مآلهما الافتراق .
المهم أنه وبمجرد تعافي الغراب من محنته وأزمته ؛ فإنه عاد لطيرانه ونعيقه ، الفارق الآن انه لا يملك غير صوته وسواده . نعم كان بعبعاً مفزعاً لا يتورع عن استحلال ظهر نعامة وإخافة أبكارها ؛ لكنه الآن بات كائناً جباناً مثيراً للشفقة والحسرة ، فبعد أيام وجيزة عاش فيها الغراب منفياً محظياً برعاية وإشفاق النعامة, كلاهما ادرك قيمة ومكانة وقدرة الأخر .
فلا الغراب سيرتقي بنفسه وبمنزلته الوضيعة فيعتلي الرؤوس والمواضع العالية ، أو النعامة سينتابها الهلع من الكائنات الناعقة فتلوذ برأسها التراب تاركة كيانها الضخم لعبث العابثين، ففي النهاية النعامة تبقى نعامة والحمامة تبقى حمامة، والغراب يبقى غراباً بصوته ووجهه ولؤمه وشؤمه !!.
محمد علي محسن
لا غراب ولا حمامة !! 1833