في زاوية ما خلف هذا الليل- الذي يجتر آهات الماضي القريب رغماً عنا- في أنجمه المعلقة ومصباحه المتوهج بقيت ذات ليلة تحت غطاء الأمنيات، أبحث عن شيءً فقدته رغماً عني وسلبه إيايّ آخرون رغماً عنهم، بين لحظة وأخرى تختنق أفواج العبرات على أعتاب عيناي خوفاً أن يغرقني طوفان الحزن الذي أغشاه، وأنا التي اعتدت التد ثٌر بلحاف النسيان منذ أن كنت طفلة تدق في كل شيء حولها إلا وجهها في المِرأة.
في تلك الزاوية أترك كل عذاباتي وأتوارى عن لون الفرح الذي سيظهر صقيع مشاعري وأتقوقع حول مخدتي وكأني أعود إلى رحم أمي من جديد، أبحث عن أغنية عاشت معي وعرفتها أكثر من نفسي وتحاشيت أن أكتبها في دفاتر خواطري حتى لا تفضح سراً أخفيته حتى عن نفسي في بيت القش الذي كانت تتنفس مسامه, هو البحر كنت أعيش قصة حب لا تشبه قصص الحب التي يعرفها البشر، لأن من عشقته ليس له وجود في هذه الحياة، إنسان من ذاكرتي، رجل من صنع خيالي، لا أعرفه إلا في الأحلام فقط.. أحببته كما أحببت لوحات بيكاسو التي لا أمل التأمل في تفاصيلها، وكلمات قباني التي تصف الحب مثل مملكة أثير لا تسكن إلا بطون الرياح المسافرة من فضاء إلى فضاء، رجل لا يمكن أن يحمل بين جوانحه إلى روح جواد، ولا يمكن أن تمتد يده إلا كيد ملك، ولا تدمع عيناه إلا على موكب نجوى أو قافلة تأمل صامتة.. رجل أحبه كما أحب هذا الوطن الذي يبكيني ويضحكني في غمضة عين، ويحبني كما تحب الأمهات صغارهن رجل من زمن الملوك، مشاعره من البللور وأحاسيسه أكثر رهافة من خيوط الشمس... يشبهني بكل ما فيّ من حياة وموت..
في تلك الزاوية اعتدت أن أخبئ عيناي وذاكرتي وكل أناملي الباردة، واعتدت أيضاً أن أخبئ خاصرتي واستوثق من نوافذ اللحظات المجاورة حتى لا تختلس الزمان نظرة على أمنيتي التي أخفيها تحت غطاء عيناي حتى الموت.
هناك أشعر ببرودة المروج المعشوشبة، وأتحسس بيداي وجه الماء العابر دون شبابيكي وأعبر إلى مقصورة حلمي بينما يغط الحارس في نومه العميق.. زاوية أشعر وأنا أحشر جسدي فيها أنني أقوى أنثى وأشجع أم وأروع كاتبة.. ,أضعف خبيبة يمكن أن تقع أسيرة لرائعة من روائع الخيال البشري.. هناك أشعر أن المساء يستعد لارتداء حلته الملكية المطرزة بماء الهوى، وأن مائدة البوح قد كستها العفة بلون الأرق اللذيذ، وأن شموع الكبرياء انتصبت تعانق حرارة العنفوان في عيني امرأة ترى الحياة بلون آخر لا يستطيع وصفه الكثير من الناس..
ألطاف الأهدل
زاويتي...! 1547