كل شيء في حياتنا نصف آخر فلليوم نصف مضيء ونصف مظلم, وللطقس نصف آخر ماطر, وآخر جاف, ولقلوبنا نصف نابض وآخر صامت.. وكذلك أرواحنا التي يلعب فيها الضمير دور الحاضر الغائب أمام نفس لوامة لا تفتأ تذكره بكل أسباب الطمأنينة ومبررات السكون, لكن في كل زاوية مظلمة أو مضيئة, نابضة أو ساكنة تعيش مفردات بحجم الحياة, ففي حياتنا أيضاً زوايا معتمة, صعبة التعايش مع سواها من أنصافنا المورقة بالهدوء والشفافية.
نصف متلفع بالفضيلة وآخر تدوي فيه صرخات الصمت مثل عاصفة من الصدى,, نصف يغرق في الأحزان وآخر تتسع مساحاته أمام كبريائنا دون أن تنبت بالعشب.. لهذا نشعر في بعض محطات حياتنا بالضياع ونشعر في سواها أننا قادرون على اتخاذ القرار ومواصلة الرحلة حتى آخر الطريق.
أرواحنا, قلوبنا, عقولنا, تشبه القمر في نصفٍ مظلم وآخر مضيء واكتمال يسلب عشاق الليل ألبابهم المأسورة بالهوى.
تضيء بعض جوانحنا بالأمل فتغدوا وأهلَّه كما يبدو القمر هلالاً من زاوية واحدة... ثم نكتمل بالضياء كما يكتمل القمر ليكون بدراً, وفي لحظة ما تنطفئ وما ينطفئ ضوء القمر في السماء.
ومع هذا نعود أيضاً كما يعود القمر. تلك القصة الفطرية الجميلة التي نعشيها مع القمر تحدث بداخلنا كل يوم, بل أنها تتكرر مراراً وتكراراً مع مواقف الحياة التي نعيشها مع الآخرين سواء كانوا من أقرب الناس إلى قلوبنا أو من أبعدهم عنها.
لكننا نختلف عن القمر فقط في أنه بعيد عن كل مؤثر, لا تطاله أيدي المتطفلين ولا تشوش نقاء أجوائه كلمات المتجسسين ولا يبقى تحت مجهر الفضول كل ثانية حتى تذبل كل ذرة رغبة بالاستقلال لديه, هو بعيد عن فصول الحيرة التي نعيشها بحثاً عن وطن يحتوينا كما يحتويه الفضاء البعيد.
وطن يلعب دور الشمس التي يستمد منها القمر كل ذلك الضياء الفريد.
فأين هو ذلك الوطن المشع الذي يضيء كل زوايانا المعتمة؟
مؤمنة أنا بأن لا شيء يدفع بالإنسان للإبداع مثل وطنٍ آمن وحكومة راسخة وقضاء عادل وشعب يسير وفق خطةٍ ممنهجة وفعلاً, وكل ما سبق لا يتحقق في وطن السلاح ولو بقدر أنملة! فمن أين نستمد ضياء أرواحنا التي سئمت ظلاماً دامساً نلمحه حتى في كبد النهار؟! لذا نشعر في اليمن أننا رعية ضالة تسير بلا راع, لكنها تخطئ ببعض (كلاب الحراسة) التي تعيد القطيع إلى حظيرته حين ينام الراعي تحت ظلال شجرة جرداء.
ألطاف الأهدل
نصف القمر... 1611