ثلاث سنوات عجاف مرت على أزمتنا الوطنية الشاملة التي لم تكن فقط أزمة مبدأ سياسي، وإنما تعدت ذلك لتكون أزمة إنسانية متكاملة الجوانب تذوب فيها الأدوار المفترضة كما يذوب الملح في الماء، ومع هذا فقد وصلنا إلى المرحلة التي كنا ننشدها من أصحاب القرار وهي تقديم التنازلات الوطنية التي سيذكرها التاريخ كإنجازات تستحق البقاء، وإن كان الأمر لا يزال في بدايته إلا أنه من الجيد أن يتحرك هؤلاء لإثبات سلامة نواياهم أمام الشعب الذي يستحق أن يحصل على فرصة جيدة لأن يعيش أفراده كبشر.
الاتفاقية الأخيرة بشأن القضية الجنوبية ربما أخذت صيتاً لا بأس به على مستوى التوازن السياسي في التفاعل مع قضايا الوطن، لكنها جاءت في التوقيت المناسب تزامناً مع حالة الغليان التي تجتاح خمس محافظات يحاول البعض أن يجعلها النار التي تتطاول ألسنة اللهب فيها لتحرق أخضر الوطن ويابسه عبر استخدام سياسة التأثير العرقي والاستحداث العقائدي، لكن حالة التحكم في المشاعر أصبحت حالة سائدة بحيث يمكن أن نقول الآن أننا بدأنا باستيعاب الدور الحقيقي والصحيح الذي كان ينبغي أن ندركه منذ عدة أعوام مضت، ولم يبق الآن إلا أن نلمس نتائج تلك الاتفاقية واقعياً من أجل دحض الشبهات المطروحة على مائدة الحراك وغير الحراك من أصحاب الدعوة للانفصال الجذري بين جنوب الوطن وشماله، فهؤلاء لا زالوا يرتدون عباءة الكفاح المسلح الذي كان لبريطانيا شرف تصميمها وعرضها على العالم كإنجاز تاريخي بينما نبرع نحن في اجترار هزائمنا حتى أمام أنفسنا، والوقت ليس ملائماً لاجترار آخر نفقد بعده القدرة على الاستمرار في التقدم من هدف المصالحة الوطنية الشاملة، لذا لا يجب النظر إلى مالا يخدم القضية بتفاصيلها الظاهرة على حساب تفاصيلها الباطنة، بل يجب الاستمرار في ذلك وإن طالت فترتنا الانتقالية، فإن نصل بعد وقت طويل خير من أن لا نصل.
وعلينا كأفراد في هذا الشعب ومنه أن ندعم توجه القرارات السياسية الإيجابية كلً بطريقته ومن زاويته وعلى منبره حتى نستطيع أن نجد لأنفسنا مسمى صحيحاً بين شعوب الأرض التي تصنع تاريخها بيديها لا بأيدي الآخرين، إننا نبارك تلك الخطى السياسية القاصدة ونشد على أيدي الذين يجتهدون ليبقى الوطن وتبقى الهوية، فمهما كان.. ما حدث وما سيحدث بعد اليوم لن تجنح فصائل الشعب وعناصره إلا للحق والصواب.
فتقريباً أصبح لدينا ذخيرة فكرية كافية حول ما يمكن أن يكون عليه الأمر في مواقف متطورة، وتقريباً أيضاً أصبح الجميع مجنداً فعلياً في ميدان الأمن والاستقرار المجتمعي الشامل, ويبدوا أن مواقف الحوار الأخيرة من أزماتنا السياسية والاقتصادية ساهمت في إعادة الإحساس بالمسؤولية وهذا درس تربوي، تكتيكي، اقتصادي، علمتنا إياه عصا التاريخ التي لا تُرى بالعين المجردة.
ألطاف الأهدل
نحن على الطريق الصحيح 1403