كان الكل يعتقد أن مؤتمر الحوار اليمني الذي تمخض عن المبادرة الخليجية والذي دعت إليه الأقطاب اليمنية المتناحرة, أنه ربما سيخرج اليمن واليمنين من (عنق الزجاجة) وسيجنب البلاد والعباد الكثير من المشاكل ويدرأ المفاسد ويجلب المنافع لكل الأقطاب وكل المتخاصمين في الوسط السياسي.
إلا أنه لم يحصل شيء من هذا وظل اليمن واليمنيين بمشاكلهم وهمومهم ومناطقيتهم وحساباتهم ظلوا محشورين في أعماق تلك الزجاجة, ولم يتسع عنقها الضيق لخروجهم جميعاً منها مع مخرجات الحوار الذي أعلن ختاميته( الباهتة) في الـ25من يناير الماضي ولم يمتص بيانه غضب الشعب أو يخمد نيرانهم المستعرة.
فالوضع لم يتبدل ولم يتغير في الأمر شيء وظل الحال كما هو عليه, احتقان هناء, اختناق هناك, احتجاجات في الجنوب وقتل وتدمير وتنكيل للأبرياء من قبل آلة الحرب, وفوضى وعبثية في أقاصي الشمال, وتراشق إعلامي ولا أخلاقي بين الأقطاب السياسية, ومكايدات وتصفية حسابات يعج بها الوطن, ولم تستطع الدولة بأجهزتها الحكومية والعسكرية أن تخمد الوضع أو تسيطر على شيء منه ولا ندري هل هو من ضمن الحريات المطلقة لمخرجات الحوار أم أنه عجز (وقلة حيلة) أمام كل هذه الفوضى والعبثية.
والمؤسف في الأمر أن القتل والتدمير والترويع طال الأبرياء العزل الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل هذا (السجال) السياسي المنهك للشعب اليمني الذي بات هو الآخر متذمر من عجز الدولة وسكوتها تجاه كل ما يحدث الساحة.
والأغرب في هذا وذاك أن هناك دولة تبحث عن دولتها ومذهبها في أطار الدولة اليمنية الاتحادية من خلال المد الحوثي الذي لايزال دائر ويحصد في طريقة الأخضر واليابس ويسعى لأن يبسط نفوذه على الكثير من المناطق بطريقة همجية وحربية أظهرت تمام عدم مقدرة الدولة على مواجهة(نهجه) المذهبي والمناطقي, وأطماعه في السيطرة على أكبر قدر من المناطق وضمها تحت لواءه وطائلته, وأكدت للكل أن وراء الأكمة ما ورائها وأن اليمن مقبل على (تشظي) طائفي ومناطقي سيغير مجريات اليمن ويحول بلد الإيمان إلى بلد تعج به المذهبية والطائفية وربما أشياء أخرى لن تحمد عقباها.
وهذا أيضاً يؤكد أن الأطراف الخارجية والداخلية التي تدعي حملها للواء الإصلاح والتغيير للوضع اليمني أنها عنصر نشط وفاعل في إذكاء نار الصراعات والأزمات وخلق الشحناء وجعل الوطن على صفيح ساخن لأغراض ومآرب في نفسها, وإلا ما تفسير وقوفها عاجزة أمام هذه الفوضى وهذا المد المذهبي والقلاقل الحاصلة في الوطن؟.
يبدوا لي أن الوضع ربما سيزداد سوء في حال ظلت الدولة عاجزة لا تحرك ساكن أمام ما يحدث وعدم حزمها وتصديها لكل المحاولات التخريبية والعبثية وسيطال هذه المد التخريبي لكل الأطراف المتنازعة كل شيء ولن يبقي أو يذر, فالوطن واقع بين فكي أصدقاء الأمس أعداء اليوم, وبين المد المذهبي والطائفي, ولهذا فالدولة مطالبة بكل أجهزتها الحكومية أن تضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار الوطن إن أرادت أن تحفظ ماء وجهها وأن تحقق المكاسب التي ترجوها من خلف مؤتمرها الذي شد رحاله.
فهد علي البرشاء
الوضع اليمني..وعنق الزجاجة 1223