لا أحد ينكر ارتباط الإصلاح بالثورة عبر تاريخ اليمن المعاصر، فالإصلاح كامتداد لحركة إصلاحية امتدت جذورها إلى بعثة النبي- صلى الله عليه وسلم- ،كان له بصمات ايجابية ﻻ ينكرها إلا أعمى أو جاحد فقد كان له دور بارز في ثورة 26 سبتمبر والتي قامت ضد الاستبداد والظلم وما سبقها من ثورات ولكنه تميز اكثر عندما ساهم بشكل رئيسي في ثورته على الجهل الذي كان مخيماً على أرض الوطن وكانت رؤيته ثاقبة بان بداية أي إصلاح للأوضاع يكون بثورة على الجهل ولهذا برزت ثورة الإصلاح التعليمية بتأسيس المعاهد العلمية والتي استطاعت ان تذيب الفروق المذهبية والجهوية ليتخرج جيل توحد به أغلب اليمنيين على ثقافة واحدة ومنهج وسطي واحد هي ثقافة ومنهج الإسلام الذي يفتخر اليمنيون به، وساهم إسهاماً بارزاً في الثورة على الفقر فأسس أغلب الجمعيات والمؤسسات الخيرية والتي رعت آلاف الأسر وكفلت آلاف الأيتام في كثير من المحافظات ثم عمل على إقامة ثورة سياسية بتحالفاته مع أطراف كثيرة في العمل السياسي وهي تحالفات مختلفة وفقاً للظرف الذي كان سائداً في ذلك الوقت ،والهدف من هذه التحالفات إيجاد بيئة سياسية متزنة ومستقرة لتكون قاعدة لأمن مستقر وحياة مطمئنة يلمسها المواطن، وكذلك هذه الثورة السياسية تؤسس لبناء دولة المؤسسات وقدم من اجل ذلك التنازﻻت الكثيرة لان هدفه ليس ذاتياً، بل المصلحة العامة هدفه ومبتغاه، وكان اخر تحالفاته السياسية هو بتكوين اللقاء المشترك والذي كان الهدف منه ليس اندماجاً وتذويب أطرافه فيما بينها وإنما شكل قوة سياسية تضغط لإحداث تسريع في بناء دولة المؤسسات ومكافحة الفساد الذي بلغ ذروته ، فقاد الاعتصامات والمهرجانات الشعبية وأحدث ثورة توعوية عبر ربوع الوطن، إلى أن جاء ما لم يكن بالحسبان وهو الربيع العربي, فحاول الإصلاح ومن معه من المخلصين ان تكون ثورتنا في اليمن وهي ثورة التغيير بالاتفاق دون اللجوء الى الشارع ولكن قدر الله بسبب تعنت الطرف المهيمن كان غير ذلك، فكانت ثورة 11فبراير والتي كان للإصلاح الدور الأبرز في نجاحها الأولي وأقول الأولي لأنها لم تكتمل ولن تكتمل حتى يضع المواطن بكل حريته ورقة الاختيار لمن يحكمه، بكل حرية دون ترهيب أو ترغيب ولن تكتمل حتى يكون المواطن هو قلب الجهاز الرقابي والمحاسبي، ولن تكتمل حتى يلمس المواطن ثمرة هذا التغيير ،وهذا ليس بالأمر الهين، فثورة سبتمبر امتدت إلى سنوات حتى حدث الاستقرار.
اقول لقد كان للإصلاح دور مؤثر ميدانياً على الساحات أو ثورة المسار السياسي التي صاحبت الثورة الشبابية ،وهذا ليس منّة يمتن بها الإصلاح على أبناء الوطن بل هو واجبه الذي يمليه عليه دينه وأخلاقه كحركة إصلاحية تفتخر أنها تستمد برنامج إصلاحها من منهج الإسلام وهو هوية هذا الشعب المؤمن ،وبهذا المنهج اكتسب حب الجماهير و وﻻءهم ومناصرتهم.
والإصلاح ﻻ يرى الثورة انها موجهة ضد شخص أو نظام بل يراها ثورة ضد منظومة فساد أو استبداد أو جهل أو تخلف وبهذا فهو يرى أن الثورة تظل مستمرة حتى القضاء على ما قامت لاجتثاثه..
وأخيراً: فإن الإصلاح بما يحمله من مبادئ ليس حركة سياسية فحسب, بل حركة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية ولذلك فجذوره تضرب في عمق التاريخ وأغصانه في كل حارة وثماره في كل بيت ويتفيأ ظلاله كل أبناء الوطن.
محمد بن ناصر الحزمي
الإصلاح والثورة 1218