منذ أسبوع أو أكثر وحزب الله يحضّرنا نفسيا لمعركة “يبرود” التاريخية التي بدأت عمليا، والسبب المعلن أن المفخخات التي ضربت بعض المواقع الموالية لحزب الله في الضاحية والهرمل قد جاءت من “يبرود” تحديدا بحسب روايته، ما يعني أن ثمة سببا آخر لاجتياحها، إضافة إلى حماية ظهر المقاومة (لا توجد مقامات دينية هناك!!)، لأن البلدة سنيّة، ما دامت التصنيفات قد باتت تتم على هذا النحو.
حين اجتاح حزب الله القصير، لم تكن ثمة سيارات مفخخة قد ضربت مواقعه في لبنان، ولم تكن هناك مقامات دينية بحاجة للحماية، لكنه فعل ذلك من أجل إسناد النظام (وبدعوى حماية ظهر المقاومة)، مع أن أحدا لم يعد مقتنعا بوجود تلك المقاومة بعد أن توقفت إثر اتفاق إنهاء حرب تموز، فيما تحوّل سلاح حزب الله إلى عنصر حسم في الداخل، وتمكن في أيار 2008 من الانتصار على بيروت، كل بيروت خلال ساعات!!
يعلم حزب الله وكل الذين يروجون يوميا لحكاية المفخخات التي تخرج من يبرود أن التفخيخ لا يحتاج عمليا إلى يبرود السورية، بدليل أن عشرات المفخخات لا زالت تضرب في العراق من دون أن يكون ثمة حلب كالتي كانت أيام الاحتلال الأمريكي، يوم أن خرج المالكي مهددا بشار الأسد بتحويله إلى المحاكم الدولية بتهمة قتل العراقيين، والسبب أن مظالم العرب السنّة قد تعززت، وتعويلهم على العمل السلمي قد تراجع، فعادت حاضنة السلاح والمفخخات إلى وضعها القديم.
وفي لبنان لن تكون صناعة المفخخات أمرا بالغ الصعوبة ما دامت الحاضنة الشعبية موجودة في ظل غطرسة حزب الله، وهي حاضنة ستزداد دفئا عندما يشاهد الناس كيف ينتصر حزب الله ويرفع رايات الحسين (هي رايات يزيد في واقع الحال) على مآذن القرية كما فعل في القصير (لماذا يقاتل عناصر الحزب في المناطق الأخرى من سوريا؟!).
لا تحتاج أعمال التفخيخ إلى أكثر من إرادة وحاضنة شعبية، وبعض التمويل القليل، وكل هذا بدوره لا يحتاج إلا إلى قدر من التحريض يوفره الحزب لا غيره من خلال تدخله السافر في سوريا، ووقوفه إلى جانب طاغية يقتل شعبه لأنه خرج يطلب بالحرية، وقبل ذلك اتهام ذلك الشعب بالجملة بأنه جزء من مؤامرة صهيونية أمريكية ضد المقاومة، مع أنه شعب لم يكن إلا مع المقاومة واحتضن بدفء حقيقي مهجري الحزب إبان حرب تموز 2006.
من السهل على إعلام حزب الله وإعلام إيران أن يزوّر الوقائع، وقد تنتقل كاميرات قناة الميادين (لصاحبها رامي مخلوف) لتكشف لنا أماكن التفخيخ في البلدة!! نعم من السهل عليه أن يزعم أنه ذاهب إلى يبرود لمنع المفخخات من الوصول إلى الأبرياء في الضاحية، ونحن دائما وأبدا ضد قتل الأبرياء غير المحاربين في الضاحية وسوريا والعراق وكل مكان. ولكن ألا يقاتل حزب الله في سائر المناطق إلى جانب نظام يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة التي لم يبلغ بها الذكاء حد التفريق بين الأبرياء والمقاتلين؟!
حزب الله يعزز كل يومه عزلته عن محيط عربي وإسلامي سنّي؛ لم يعد يرى فيه سوى عدو وقف ضد شعب ثار طلبا للحرية، وهو (أي الحزب) فعل ذلك لحسابات طائفية، واستجابة لأوامر الولي الفقيه، وليس خوفا على المقاومة التي لم تعد موجودة أصلا، وساندها الشعب السوري واحتفل بها حين كانت موجودة.
ما لم يقله حزب الله، ولن يقوله بطبيعة الحال هو أن معركة يبرود لم تعلن عمليا من أجل منع المفخخات من الوصول إلى لبنان، بل لعله يعلم أنها قد تزداد بعد المعركة، ولكنها معركة يحتاجها النظام من أجل جنيف-2، ومن أجل فتح الطريق نحو حمص ومعاقل العلويين، وكذلك الحال بسبب ارتباطها العضوي مع سلسلة جبال القلمون الإستراتيجية. والنتيجة أنها معركة عسكرية لنصرة نظام لا يجد سبيلا الى حسم المعركة، وهو يبحث عما يحسِّن وضعه العسكري من أجل التفاوض (تضيف صحيفة فايننشال تايمز سببا آخر يتمثل في زيادة تدفق المهجرين إلى تركيا للضغط على أردوغان خلال الانتخابات المقبلة).
في معركة يبرود، سيكتفي جيش النظام المنهار باستخدام الطائرات وإلقاء البراميل المتفجرة من الجو (ألا تقتل هذه أبرياء مثل مفخخات الضاحية؟!)، فيما سيكون التقدم على الأرض جزءا من مهمات حزب الله ومقاتلي الكتائب الشيعية، برعاية وإشراف من عناصر الحرس الثوري.
قد ينتصر الحزب وتحالفه العتيد في هذه المعركة التاريخية، والأرجح أن يكون الأمر كذلك بسبب فارق الإمكانات الهائل، لكن البلدة لن تكون ممرا لحسم المعركة في سوريا، كما أنها لن تكون ممرا إلى تحرير القدس، بخاصة بعد استحقاقات اتفاق الكمياوي مع بشار، واتفاق النووي مع إيران، لكنها ستكون محطة جديدة في حالة العداء التي يكرسها الحزب وتحالفه الإيراني مع غالبية الأمة، وهي حالة سيكون ثمنها باهظا بكل تأكيد، وإن كانت الخسارة من نصيب الجميع، والربح فيها فقط من نصيب نتنياهو.
الدستور
ياسر الزعاترة
معركة حزب الله (التاريخية) في يبرود!! 1618