بادئ الأمر لا أدري هل أحييك, أم أعزيك؟ أم أذمك, أم أسبّر أغوارك.. لا أعرف ما يقودك لأن تعبث بالوطن, ويحرضك على المساس بأمنه وأمانه واستقراره, وإقلاق سكينة المواطنين البسطاء الذين يرفعون أكف القهر والانسحاق ليل نهار إلى المولى جل في علاه أن يخسف بك الأرض ويهوي بك إلى مكان سحيق... عقاباً على أفعالك وصنائعك التي لا ترضي الله ولا رسوله..
لن أكون بذمامة أخلاقك أو ببشاعة أفعالك أو بسخافة ودناءة تصرفاتك التي تدل عل نزعتك العدائية وحيوانيتك التي ترعرعت عليها, وعطشك الدائم للدماء وللدمار وللخراب, لن أكون كنفسك الأمارة بالسوء التي لا تنام إلا على أصوات الرصاص وأزيز المدافع ولا تصحوا إلا على أصوات النائحات المسحوقات والثكلى المفجوعات الآتي سلبتهنّ أغلى ما يملكن في الحياة أكانوا أباءهنّ أو إخوانهنّ أو أزواجهنّ أو أبنائهنّ..
لن أكون مثلك بلا إنسانية أو آدمية أو حتى (هيئة) إنسان تنساب بين أوردة الدماء وتسكن بين ثناياك روح بشرية إن كانت لاتزال موجودة, أو ضمير لا يزال ينبض بالحياة ولم تعدمه بعد مثلما أعدمت الكثير من البشر بعدائية ونزعتك الوحشية التي تهفوا لأن تنتقم من كل شيء: البشر, الشجر, الحجر.. وحتى حبات المطر... المتساقطة حسداً من عندك نفسك التي تعشقك الدماء حد الثمالة وتحب الخراب والدمار حد العبادة..
دعني فقط أسألك أيها العابث بالوطن.. لماذا تعشق الخراب؟ لماذا تهوى الدمار؟ لماذا تتعطش للدماء؟ لماذا تستعذب التنكيل والتشريد والتعذيب؟ لماذا تنتشي حينما تتهاوى الأجساد, وتطرب حينما يخيم الحزن على كل شيء؟ لماذا تسرق الابتسامة من شفاه الأطفال؟ لماذا تسبل مدامع الأمهات العاجزات المنهكات؟ لماذا لا تقع إلا على القذارات ولا تعشق إلا المستنقعات؟ لماذا تحاول أن تشعل فتيل الأزمات وتوقد نار الحروب وتدمر كل شيء جميل في هذا الوطن المتهالك الذي لم يتعافى بعد من أفعالك الدنيئة والحقيرة ؟
طبعاً لن تجيب, وإن أجبت فبماذا ستجيب؟ لن تكون إجابتك شافية كافية لهذا التساؤلات التي تبحث بنهم عن ما يطفئ ظمئها, ولن تكون كافية لأن تخمد النار التي تستعر بين ثنايا المكتوين بنار خرابك ودمارك أو تمسح دمعات من أسبلت مدامعهم أو قتلت الابتسامة على شفاههم, لن ترضي ذلك سلبته سعادته وفرحته وأجبرته أن يتجرع مرارة الألم وعلقم المآسي, لن تزيل شيء من ذلك الحزن الجاثم على صدور من ذاقوا من ويلات حروبك وأفعالك وسياستك القذرة..
دعني أذكرك بيوم تقف فيه بين يدي الله وحيداً دون حاشيتك, دون أتباعك, دون (المطبلين) لك, تقف خاضع ذليل منكسر, فتأتي المظالم كالجبال تشكوا غطرستك وعنجهيتك وسطوتك وظلمك, وكلها تريد أن تقتص منك وتأخذ بثأرها منك.. تذكر يوم تأتيك الأمهات النائحات المفجوعات, والآباء المكلومين, والأطفال اليتامى, والنساء الثكلى, وكل دابة في الأرض نالها من ظلمك (ودكتاتور يتك) ما نالها, حينها فقط ربما ستدرك فداحة صنيعك وعظيم أفعالك وحينها لن يفدك ندم أو أنين أو توسل أو تذلل..
أيها العابث بالوطن عد إلى رشدك, عد إلى صوابك, وترفع عن سفاسف الأمور وصغائر الأشياء ودع الوطن وأهلها ينعمون بشيء من السكينة وراحة البال وأكتفي بما شربت من الدماء وما أزهقت من الأرواح وما دمرت من الدور والمنازل وما خربت من المصالح وما زرعت من الخوف والحزن والألم في نفوس البسطاء..
أيها العابث: لا تدع الأطماع تعمي بصيرتك ولا تدع الحقد يطمس قلبك, لاتدع الانتقام والثأر يقودك نحو الهلاك والضياع وتدمير الوطن دون سبب يذكر غير أنك أردت أن تتربع العرش وأردت أن يدوم مجدك وسلطتك وسطوتك فلم تنل مبتغاك ولم تصل لغاياتك, فتحولت إلى نار تحرق في طريقها كل شيء غير آبه ولا مكترث بأحد, متناسياً أن الجزاء من جنس العمل وأنك عاجلاً أم آجلاً ستدفع ثمن كل شيء فعلته غالياً.
فهد علي البرشاء
إلى العابث بالوطن..! 1203