يرى البعض أن ما حدث مؤخراً في مصر يمثل انتكاسة في وجه الأمل الذي بزغت تباشيره مع انطلاق شرارة الربيع العربي من تونس, وارتفع الأمل إلى درجة اليقين بدنو عصر الكرامة بعدما خرجت الأمة المصرية ومن ورائها الأمة العربية من حالة السبات المفروضة عليها متجهة نحو الانعتاق من الذل المسكون بكينونتها وهي القاعدة التي بناء عليها حكام الخنوع مجدهم الزائف, ومن خلاله باعوا لنا الوهم وجعلونا نعيش مخمورين تحت تأثير تاريخ كتبته أقلام مأجورة, استطاعت تزيف وعي الأمة من خلال تغير حقائق التاريخ وتسويق انتصارات كذبة على أنها حقائق.
خلال المراحل السابقة أقصيت قيم العزة والكرامة من فكر الأمة من خلال تغيب عقل الأمة ومصادرة حقه في التفكير في ظل مبدأ ( ما أريكم إلا ما أرى) لكنها كقيم متجذرة في التركيبة النفسية للأمة لم تنتهي بشكل كامل, إلا أنها انزوت إلى العقل الباطن ودفنت تحت ركام المفروضات من القيم التي ترسخ الانحطاط التي أريد بها ضمان السيطرة على الإنسان العربي وجعله يعيش في حالة من الغربة الفكرية التي تجعله حائر لا يقدر على شيء مما يسهل اقتياده إلى حيث يريد الأخر المتحكم بمسابر الحياة في عالمنا العربي.
هذه القيم المكبوتة في كينونة العربي تفجرت ثورة شعبية عارمة تعبر عن كفر الأمة بالعيش في كنف الأخر أو كما يريد, وفرضت واقع الحياة كما نريد نحن كأمة رائدة لها تاريخ حافل بالعزة والكرامة.
وهذا ما جعله يعمل على وأد ربيع العرب المحمل بمعاني الكرامة والاستقلالية وهو في أطوار تخلقه الأولى والتي كانت من أمارت هذا التخلق أن الحاكم في حاضرة الأمة جاء بإرادة الشعب من خلال انتخابات شهد العالم بنزاهتها, كنت قد اعتقدت بعدما رأيت بعض من المثقفين والقيادات النخبوية من أتباع المدارس الماضوية من القومين و اليساريين و اللبراليين الجدد قد التحقوا بركب الشعوب الثائرة مثلهم مثل غيرهم من التيارات الأخرى كالإسلاميين بما يعبر عن نبذ الماضي من كلا الطرفين والتحلل من عقود الماضي التي كانت قائمة على إشاعة الضغائن بين أبنا الشعب الواحد تحت مبررات وعناوين واهية من خلال مرجعات فكرية وتاريخية مكنتهم من التحلل من عقد الماضي التي بنيت على أساس إثارة الفتن بين أطياف المجتمع الواحد من أجل شغل الأمة ببعضها البعض من قبل بعض القوى التي تريد إن يخلو لها وجهة الأمة من خلال حالة الإغواء الممنهجة التي دفع بالأمة إلى غياهبها ليستمر هو في نهب ثروات الأمة وتسخيرها لخدمة الأخر الذي يتحكم بإدارة الأمور في منطقتنا من خلال بني جلدتنا.
إلا أن الانقلاب كشف أن هؤلاء مازالوا يعيشون تحت تأثير الماضي و أنهم لا يؤمنون بالأخر والتعايش كسنة كونية .والديمقراطية التي يريدون هي التي تفرزهم وتدفع بهم إلى تسيد الأمر.
ومن أجل ذلك فإنهم سوف يضحون بكل شيء وقد لوحظ من خلال الانقلاب العسكري في مصر أن دعواتهم بمدنية الدولة لم تكن إلا لذر الرماد على العيون مثلها مثل سابقتها كالقومية و الحداثة خلال المراحل السابقة, أتساءل كيف سيبررون تحالفهم مع العسكر ضد رئيس منتخب من الشعب ومعلوم بشخصية المدنية وكيف أنهم يقبلون بتحكم العسكر بالبلاد ومستقبلها بعدما بداء بعضهم يصرح أو يلمح بقبول ترشح قائد الانقلاب العسكري لمنصب رئاسة الدولة.
كما أن الأيام أبدت كذب وزيف دعواهم القومية من خلال التهم التي اتهموا بها الرئيس المصري المدني بالتخابر للصالح حماس العربية ويشنون حرب شعواء على منافذ الغذاء للشعب الفلسطيني في غزة وهذا يوضح حقيقة قوميتهم التي جعلتهم يغلقون المنافذ في وجه أبنا قومهم من عرب فلسطين ويفتحونها في طاباً أمام يهود إسرائيل.
كشفت أحداث مصر أن النخب العربية أكذوبة العصر وأن من كانوا يسوقون أنفسهم كأوصياء على الشعوب باسم النخب والمثقفين ليسوا إلا سماسرة في أسواق النخاسة مأجورين كانوا ومازالوا أدوات تضليل وتجهيل كشفت وابتزاز للامة ومقدراتها لصالح الأخر الذي يعمل على جعل كل خيرات الأمة من أجل نهضته .
نشوان الحاج
أكذوبة النخبة العربية 1298