بين الحقيقة والخيال خيط رفيع جداً, فالحقيقة يمكن تصديقها وقياس مداها وتفسير أحداثها وتوثيق تفاصيلها، لكن لا يمكننا أن نصدق أو نفسر أو نقيس أو نوثق ما نتخيله أو يتخيله الآخرون غير أن شيئاً ما يمكن أن يجعل الحقيقة خيالاً ويجعل الخيال حقيقة، إنه الخروج عن الفطرة والميل عن سنة الكون والاختلال في نواميس الحياة، وكثير مما يحدث حولنا اليوم يبتعد عن الحقيقة ويقترب من الخيال لأن فيه خروجاً كبيراً عن الفطرة الإلاهية.
وتجاوزاً للحدود الإنسانية وتعدياً على نظام وضعه الخالق لمصلحة الإنسان وكل الكائنات التي وجدت لخدمته.
ما يحدث للشعوب العربية اليوم من تمزق في الرأي واختلاف في العقيدة حقيقة نراها تتضح بجلاء كل يوم، لكن المخطط الذي وضع لاستغلال هذه الفرقة والاستفادة من هذا التمزق لا يمكن تخيله لأنه فوق المعقول وإن لم يكن دون المستحيل يشعر المرء أمام ما يسمع ويرى ويقرأ أن تلك الخطط الرامية إلى زرع الفتنة والاقتتال والتشرذم، والهادفة إلى فرض مخططات جديدة تناسب مصالحها الكبيرة، يشعر المرء أمام ذلك إنه يجلس على فوهة بركان، وإن الحياة من حوله لا تعدو عن كونها لعبة كبيرة تحركها خيوط غير مرئية، وقد تكون الأيدي التي تعبث بمصائر البشر داخلية أو خارجية وهذا يجعل من الحقيقة والخيال وجهان لعملة واحدة، غير أنه أيضاً قد يدفع بالضعفاء منا إلى أن يكونوا وقوداً لنارٍ لا تأكل إلا من لا يمسك طرفاً من خيوط اللعبة العنكبوتية التي يشهدها عالمنا العربي.. والإسلامي اليوم ومن السهل تصديق ذلك بالرغم من كونه يفوق الخيال، لكن من الصعب استيعاب نتائجه على الواقع بالرغم من أنها حقائق لا تقبل الشك، ودائماً ما نبقى بحاجة للدمج بين الحقيقة والخيال لنصل إلى درجة كاملة من اليقين وإن كان ذلك صعباً على من اعتادت أنفسهم قراءة واقع الحياة بلا رتوش أو تزييف أو تنميق وبين واقع صعبٍ وخيالٍ أصعب نجد أنفسنا أحياناً ضمن مساحة مترامية من الأحداث التي تؤازرها مشاهد الصواب والخطأ الذي يصعب تفسيره، لكن بالرغم من ذلك يستمر التاريخ في سرد وقائعه ونستمر في قبول ذلك أو رفضه أو التجافي عنه بتبني مواقف محددة دون أن يكون لنا حق الاختيار بين هذا أو ذاك, وعلى كل حال فلا يوجد الكثير بين الحقيقة والخيال، هو فقط ذلك الخيط الرفيع الذي يمكن أن تمزقه قوة الحقيقة أو يتعداه جنوح الخيال, ومن كان يصدق أن مخططات يهودية وغير يهودية كانت خيالاً في يوم ما تصبح اليوم حقيقة لا يصطلي بنارها إلا نحن المسلمون والعرب؟!.