تجسدت هذه المقولة في حياة الناس وظهرت جلية في واقعنا ولم تعد مجرد مقولة ارتبطت بتلك المقولة الشهيرة التي كان يرددها الحزب قديماً, بل أنها تمثلت في أبشع الصور وأقبحها في التعامل بين البشر وباتت المصالح فوق كل شيء ولم يعد للأخلاق والقيم والمبادئ أدنى وجود أو قيمة وبات الواحد منا يبحث أولاً وأخيراً عن مصلحته ومردود علاقاته بالآخرين إلا من رحم الله..
فما من علاقة إلا وتجعل جل همها وأولى اهتماماتها المصالح والعائدات, أكانت مادية أو معنوية ولا يكون لقيم وأخلاقيات العلاقات بشتى أنواعها أي قيمة أو معنى أو أهمية, وكأن الغرض من أي علاقات في المقام الأول والأخير هي المصلحة والفائدة دون غيرها..
فلا صوت يعلو فوق صوت المصالح ولن يعلو صوت القيم والعفة والطهر والنقاء طالما والنفوس بموبوءة بداء المصالح وحب الذات والبحث عن عائدات العلاقات لتي لا يطول عمرها ولا يشتد عودها ولا تثمر أوراقها ويجف قعر نبعها وتذبل وردوها وتشيخ سنوات عمرها وهي في مهد بداياتها..
وكم من علاقات كان مبدئها وأساسها المصالح تهاوت وانهارت ولم تدم طويلاً ولم تصمد أمام أبسط نسائم المشاكل أو رياح العتاب وتحول أهلها وأصحابها إلى أعداء لا يعرف بعضهم البعض يلتقون وكأنهم أغراب لم يكن للصداقة أو المعرفة أو الحب في يوماً من الأيام أي وجود وكأن عرى العلاقات الصادقة البريئة التي لا تنفصم قد باتت في خبر كان بعد أن جعل البعض من العلاقات مجرد محطة للتزود بلوازم حياتية أو جسدية أو حتى غرائز حيوانية محضة ..
ولا تقتصر العلاقات الزائفة التي تستمد بقائها من المصالح على الأفراد والجماعات بل أنها امتدت إلى الزائفون الذين يدعون حب الأوطان والأرض والتربة فتراهم ينعقون ويصرخون ويتعصبون ويصولون ويجولون كالرحالة بين الأوطان ليثبتوا حبهم لأوطانهم التي ينسلخون من حبها حينما تنتهي مصالحهم ومنافعهم, أو لا يصلون لأهدافهم وغاياتهم ومآربهم الشخصية التي لا تتعدى المال والسلطان والجاه والمناصب, ليغدو حب الأوطان والولاء لها مجرد شعارات جوفاء لا تحمل بين طياتها أي مضمون أو صدق, ولا تتعدى الشفاه ولا يوقرها القلب أو تغذيها الروح وتسقيها دموع الحرقة والحسرة والقهر والانسحاق على الأوطان التي تلوكها المآسي والمشاكل ويتناولها الساسة والمتمصلحون.