في ظل الواقع الراهن المليء بالمتناقضات أصبح من الضروري وضع قواعد ومعايير يمكن من خلالها الحكم على مدى قابليتنا للمدنية والحداثة والديمقراطية بمعناها الحقيقي المتعلق بمبادئ العدل والحرية والمسؤولية وحقوق الإنسان... الخ والبداية الحقيقية تتعلق بتصحيح مسار الإعلام اليمني.
هذا الهدف الرئيسي الذى نذرت له جهدي وبسببه حسمت أمري للدخول في هذا المجال.. إذ تعد قضية الحرية والمسؤولية إشكالية كبيرة تحتاج إلى بعض التوضيح حتى نكون على بصيرة من أمرنا.
القضية المطروحة للبحث تتعلق بالحرية والمسؤولية، وهي قضية مركبة لا يمكن تجزئتها، بمعنى أنه لا يمكننا طرح قضية الحرية بمفردها بمعزل عن المسؤولية، وكذلك العكس صحيح، فالمسؤولية مشروطة بالحرية ولا معنى لها في غيابها،أي أنها تثبت بثبوت شرطها وترفع برفعه، وكذلك الحرية تستوجب قيام المسؤولية, إنهما إذن متلازمان في الوجود ولا يمكن الفصل بينهما.. أيهما الأصل الحرية أم المسؤولية؟.
صحيح أنه لا مسؤولية بدون حرية لكن من يضع أسس المسؤولية وحدودها؟ السلطة؟ أم الشخص ذاته؟؟ باعتقادي أن الوازع الداخلي أقوى من حيث التزام الإنسان به لأنه يستجيب لصوت الضمير النابض بالحرية والمتشرب لقيم الدين.
ومن هنا أطرح بعض أخلاقيات العمل الإعلامي:
ثمة عدداً من الأخلاقيات المهنية التي تعارف عليها العاملون في ميدان الإعلام، ونصت عليها المواثيق الإعلامية التي تبنتها الجمعيات والنقابات المعنية بالعمل الإعلامي في شتى أنحاء العالم، باعتبار الإعلام علماً ليس له جنس أو حدود، وليس موجهاً إلى مجتمع دون آخر، أو معنياً بأمة دون غيرها.
ومن أهم أخلاقيات العمل الإعلامي:
1 - الصـــــــــدق: هو الدافع لأدبيات التعامل مع المادة الإعلامية، فالحقيقة هي المحور المحرك للإعلامي والوصول إليها يجب ألا يكون عن الطرق الملتوية أو المشوبة بما يخدش دقتها وصدقها وواقعيتها، بل يمكن الوصول إليها عن طرق صعبة ولكن سليمة دون خرق للقانون أو الأعراف المهنية.
2 - احترام الكرامة الإنسانية: وذلك يقتضي عرض المواد الإعلامية والصور الخبرية بطرق لا تمس الكرامة الإنسانية، ولا تقلل من أهميتها، سواء كانت فردية أو جماعية، أو تهم جنساً ما أو طائفة معينة أو ديناً من الأديان.
3 - الموضوعية: وتعني تقديم المواد الإعلامية بنوع من الحياد والنزاهة شبه التأمين، لأن الكمال في ذلك الأمر شبه مستحيل، وهنا يجب تجنب الخلط بين الأمور المهنية مثل الخلط بين الخبر والتعليق، أو الإشهار وبين الصالح العام والصالح الخاص.
كما تعني الموضوعية التجرد من الهوى والاستقلالية في العمل وعدم الخضوع لأي ضغط أو تأثير أو رقابة داخلية أو خارجية.
4 - المسؤولية: وهذا لا يتناقض مع الحرية إطلاقاً، إذ يجب على الإعلامي أن يشعر بالحرية المطلقة ولكن المقيدة بالمسؤولية تجاه مجتمعه والأفراد الذين يعيشون فيه.
5 - العدالة: إن العدالة تعني أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، كما هم متساوون أمام وسائل الإعلام، ومن هنا تأتي ضرورة الحرص على أن تكون الوسائل معبرة عن الجميع دون أن تستثني فئة أو ثقافة أو جهة دون أخرى.
الأخلاقيات الإعلامية والمسؤوليات
إن التزام العاملين في المؤسسات الإعلامية بالأخلاقيات الإعلامية، والمواثيق الموضوعة بهذا الشأن يعني بصورة ضمنية التزامهم بالمسؤولية التي تفرضها طبيعة العمل الإعلامي، فعلى سبيل المثال هناك مسؤولية واضحة ودقيقة لوسائل الإعلام نحو الدولة التي تعمل بها، ومن أهم بنود تلك المسؤولية:
- احترام النظام والدستور والقانون، و احترام مؤسسات الدولة، وحماية الأمن الوطني، وعدم نشر المعلومات السرية التي يشكل نشرها ضرراً بالمصلحة العامة.
وهنالك أيضاً مسؤولية كبيرة تجاه أفراد المجتمع، تتضمن المحافظة على أمور عدة من أهمها:
1 - احترام حق الخصوصية.
2 - عدم انتهاك حرمة الأماكن الخاصة، أو الملكية الخاصة.
3 - عدم نشر معلومات عن حياة الإنسان الخاصة بدون موافقته.
4 - عدم استخدام أجهزة التنصت والتصوير الدقيقة.
5 - عدم البحث في الأوراق الخاصة للشخص أو الوثائق أو ملفاته الإلكترونية بدون موافقته.
6 - عدم وضع الأشخاص تحت ضوء زائف، مثلاً إظهار صورة شخص «بشكل عشوائي» أثناء الحديث عن مروجي المخدرات.
7 - احترام الكرامة الإنسانية للفرد.
8 - عدم الإساءة إلى الإنسان أو سمعته.
9 - تجنب السب والقذف.
10- تجنب ما يمكن أن يزيد معاناة الأشخاص أو آلامهم، أو يسبب لهم ضرراً مادياً أو معنوياً.
11 - احترام حق الأفراد في الرد على ما ينشر عنهم.
لاشك أن الالتزام بالأخلاقيات الإعلامية، وتطبيقها روحاً ونصاً، يعني بصورة عامة تطبيق المسؤولية الإعلامية تجاه الوطن والمجتمع وأفراده من جانب، ويضمن - من جانب آخر- الحفاظ على أهمية الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في التربية والتوجيه والتثقيف والتعليم وتدفق المعلومات وتشكيل الرأي العام.
محمد المياحي
الإعلام بين الحرية والمسؤولية! 1591