إن الأحداث التي نمر بها اليوم أحداث واضحة لا لبس فيها ولا يعذر فرد في الأمة بأنه التبس عليه الأمر وبأنه عاشها فتناً, فالفتن تكون إذا التبس الحق بالباطل فيحتار الناس، أما زماننا فالحق ورايته واضحة والباطل راياته واضحة، ولكننا نعيش في سكرة الهوى وعماه، أو عمى البصيرة وإذا أراد الله بعبد هلاكاً سلبه عقله أو بصيرته ولذلك قال تعالى "
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}
ومن هنا نقول إن الحق واحد لا يتعدد وغيره ضلال قال تعالى " فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ"
ولكن الباطل أو الضلال متعدد السبل والرايات قال تعالى " وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون".
ولكن الخطورة إذا استبدلنا الحق بالهوى قال تعالى "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِن"َّ ومن هنا يتضح أننا نعيش في جو واضح الحق فيه إذا خلصناه من الهوى نحن نعيش مرحلة " فأضله الله على علم".
من منا لا يعلم أن الصلاة واجبة ولكن يقطعها؟.. كثير من الناس اتباعا للهوى!
من منا لا يعلم أن الزكاة واجبة؟ ولكن كثيراً من المسلمين يمنعونها اتباعا للهوى!
من منا لا يعلم أن الحج فريضة على من استطاع؟ ولكن كثيراً منا من يفضل السياحة وﻻ يحج اتباعا للهوى!
من منا من لا يعلم أن الحكم بما أنزل الله فريضة واجبة لقوله تعالى " : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
ومع ذلك الكثير من حكامنا إن لم يكونوا كلهم يحكمون بغير ما أنزل الله ويحكمون بحكم الجاهلية، اتباعا للهوى، أو إرضاء للأعداء، مع أن الله عد إرضاء الأعداء على حساب شريعته ضلالا، حين حذر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ َ" عن بعض .فما بالكم بالكل؟
وتجد من عامة الناس من يؤيدهم ويصفق لهم!
وحذر الله أيضا من أن نحكم بهوى أنفسنا أيضا قال تعالى " يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"
والحكم حتى في القول "وإذا قلتم فاعدلوا".. والبعض- وفقا لهواه- إذا أحب شخصا جعل سيئاته حسنات وإذا أبغض آخر جعل حسناته سيئات!
ومن منا لا يعلم أن الخمر حرام فسماها مشروبات روحية؟!
ومن منا ﻻ يعلم أن الزنا حرام فجعله من طرق المتعة والسياحة؟!
ومن منا ﻻ يعلم أن السرقة والرشوة حرام فجعلهما أسرع وسيلة للثراء؟!
ومن منا لا يعلم أن الكذب والخيانة حرام فجعلهما نوعا من أنواع الحذاقة؟!
ومن منا ﻻ يعلم أن الظلم حرام فجعله وسيلة من وسائل التسلط؟!
ومن منا لا يعلم أن القتل حرام فقتل وشرد وفجر وهجر؟!.
ومن منا ﻻ يعلم أن الغيبة والنميمة حرام فنم واغتاب وحرش بين المسلمين اتباعا للهوى؟!
ومن منا لا يفرق بين الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول ولكن نرى كثيراً من المسلمين يقفون مع الظالم ضد المظلوم ومع القاتل ضد المقتول اتباعاً للهوى!
" فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور"
إنهم إن لم يتوبوا حطب جهنم قال تعالى " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"
من منا من ﻻ يعرف أن بناء المساجد حق وخير وقربة إلى الله وأن هدمها جريمة وضلال قال تعالى " إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِين"
وفي المقابل قال " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ومع ذلك نجد من يفجرها ويعيث فيها فسادا؟!
من منا لا يعلم أن الإنسان لا يؤخذ بجريرة آخر لقوله تعالى: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"!
وقال على لسان نبيه يوسف حين جاء إخوته يقولون: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فأجابهم يوسف قائلاً: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُون"
لكننا نعمم في أحكامها ظلما اتباعا للهوى!
ومن منا لا يعلم أن اليهود معتدون وأنهم على باطل وأن الفلسطينيين على حق ومظلومون لكن ذهب البعض ينصرهم على حماس لأن حماس من جماعة الإخوان المسلمون وهذا بنظره يكفي ليفضل اليهود عليهم أعوذ بالله ممن أضله الله على علم!
وهل بعد هذا الضلال من ضلال أن الإنسان لا يفرق بين يهودي ظالم ومسلم مظلوم؟
وعليه نقول من علم الحق وتركه فهو قد عبد هواه وهو في ضلال وخلد إلى الأرض ونسي الآخرة فهو كما قال تعالى " وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْتَتْرُكْهُ يَلْهَثْ"..
وأخيرا إن الجنة هي لمن قيد الهوى.. قال تعالى " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"..
ونقول بالختام
"ربنا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ".
محمد بن ناصر الحزمي
بل(وَأَضَلَّهُ اللَّهُ على عِلْم) 1282