لماذا كلّ هذه الضجة التي تطلبت احتجاجاً إيرانياً رسمياً قدمه السفير في بيروت إلى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام؟ هل يكفي صدور كلام واضح عن مسؤول لبناني كي تعتبر طهران، التي تتدخل يوميا في شؤون الوطن الصغير، أن هناك من مسّ بقدس الأقداس؟.
كلّ ما في الأمر أن ما لم يقله وزراء شاركوا في الدورة الواحدة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب التي انعقدت حديثاً في مراكش عن المعاناة العربية، قاله وزير الداخلية اللبناني الجديد الزميل نهاد المشنوق.
قاله من خلال ما يتعرّض له لبنان. استبق المشنوق البيان الوزاري الذي يفترض أن تعتمده الحكومة الجديدة برئاسة تمّام سلام، إذا قدّر لها أن تبقى، ليقول كلاماً صريحاً وواضحاً، هو في واقع الحال كلام كلّ مقاوم لبناني يسعى بالفعل إلى تحديد ما يتعرّض له بلده.
كشف المشنوق أن في لبنان من يستطيع بالفعل تسمية الأشياء بأسمائها بدل دفن الرأس في الرمال والتغاضي عما يتعرّض له الوطن الصغير من مخاطر, لعلّ أهم ما قاله في هذا الشأن أن لبنان “يواجه نوعين من الإرهاب.
الإرهاب الناجم عن الاغتيالات السياسية التي لا تزال تحصل للأسف حتى الآن… ونوع آخر من الإرهاب ظهر منذ تسعينات القرن الماضي في صور عدة أبرزها الجماعات المسلّحة باسم الدين في بعض مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين وجماعات قادمة من سوريا مرسلة من المخابرات السورية لإقامة إمارة إسلامية في شمال لبنان.
كذلك تعرّضنا لإرهاب الاستثمار في خطوط الانقسام المذهبية بغية تعميق الشرخ المذهبي وتفتيت وحدة المجتمع اللبناني وذلك من قبل أجهزة مخابرات معروفة بهويتها وأدواتها المحليّة”.
كلام جديد يصدر عن مسؤول لبناني جديد لم تحصل الحكومة التي هو عضو فيها على الثقة نظراً إلى أنها لم تتوصل بعد إلى صياغة بيان وزاري يفترض أن يكون الإطار الذي يتصرّف الوزراء في حدوده.
إنه هامش للمناورة سمح لنهاد المشنوق بمصارحة العرب من زاوية “الخصوصية اللبنانية حتّى في الإرهاب” مشيراً إلى أنه “منذ عام ونيّف، أعلن حزب لبناني على لسان أمينه العام أنه ذاهب إلى سوريا لقتال من وصفهم بالتكفيريين. وكأنّما ما كفانا القتل السوري على الحدود وأكثر من مليون نازح سوري أي ما يعادل ربع سكّان لبنان. صار علينا أيضاً أن نتحمّل مع نظام الأسد مسؤوليات التورط في دمّ الشعب السوري المطالب بالعدالة والكرامة.
صار علينا القبول بأنّ هؤلاء الثائرين كفّار، دمّهم حلال، بحجة أنّهم يكفّرون المذاهب الأخرى … لا يكفي هؤلاء سنوات عجاف من إدخال الإسلام في منظومة صراع الحضارات. يريدون اليوم تحويل الإسلام إلى مجرّد حضارة صراعات. والإسلام بريء من ذلك ديناً وحضارة وثقافة”.
نعم، كلام جديد عن وزير لبناني جديد يقول: “الانتحاريون جدد علينا. وجديد علينا هذا التوتّر المذهبي الذي يكاد يبلغ عنان السماء معرّضاً وحدة الكيان اللبناني من خلال إسقاط هيبة الدولة وإضعاف المؤسسات جميعاً وفي مقدّمها المؤسسات الأمنية وإضعاف ثقة المواطن بخيار الدولة والقانون مع ما يعنيه ذلك من خطر تحلّل لبنان نحو عناصره الأولى طوائف ومذاهب ومناطق وعشائر”!
جديد كلام الوزير اللبناني الجديد أيضاً توصيف التدخل الإيراني في الشؤون العربية من منطلق لبناني “فنحن نعرف أن لظواهر العنف هذه أسبابها السياسية والاستراتيجية الناجمة عن التدخّل الإيراني والتدخّل السوري في الداخل اللبناني وذلك ليس منذ الآن، بل منذ ثلاثة عقود وأكثر.
ولأنّ النظام السوري يواجه ثورة وإيران تواجه تحدّيات مصيرية، فقد ارتفعت وتائر الحركة الدموية في سوريا ولبنان. وهذا الأمر مدان طبعاً, لكنني ما قصدت إلى ذلك فقط.
بل أردت الوصول إلى أن قسماً رئيسياً من العنف الذي تعاني منه دول عربية عدّة ومنها لبنان، يعود إلى الاضطراب في العلاقات مع إيران. وهذا يتطلّب أن يجتهد السياسيون ووزراء الخارجية وقادة الأحزاب الكبرى وقادة الدول لإيجاد مخارج في مواجهة هذا التحدي كي تصبح البيئات أكثر هدوءً ونصبح أكثر قدرة على المعالجة والتصدي”.
لم يكن الجديد الصادر عن الوزير الجديد كله سوداويا, كان هناك عنصران إيجابيان. العنصر الأوّل متعلّق بإيران من منطلق طرح “السؤال العربي الكبير: هل لنا شريك في إيران”؟
الجواب عن السؤال:” يعتمد ذلك على الإيرانيين بمقدار اعتماده علينا. يدنا في لبنان ممدودة أن وجدنا يداً صادقة تقابلها ولكن دائماً تحت عنوان تحرير الدولة من الشراكات الغامضة التي تضع الأصابع والأيدي في صلب القرارات السيادية بما يعطّل النظام السياسي وينهك الحياة الوطنية ويرفع منسوب الخصوبة في لبنان، خصوبة ازدهار الإرهاب بكلّ أشكاله”.
أما العنصر الإيجابي الآخر فهو على علاقة بمصر ودورها والدور الذي لعبه الرئيس سعد الحريري أخيراً في مجال التقارب بين القاهرة وبيروت. ركّز الوزير المشنوق على أن الإجابة عن الأسئلة المرتبطة بكيفية التعاطي مع إيران واستعادة التوازن على الصعيد الإقليمي صارا ممكنين “مع عودة مصر إلى الإمساك التدريجي بدورها الإقليمي إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون التي نتمنى عودة الصفاء إلى سماء علاقتها المشتركة دعماً للاعتدال وصوناً للسلام الأهلي. هذه هي الحقيقة الوحيدة التي تعيد التوازن العربي في وجه المشاريع الإقليمية من أي جهة أتت. والنص هنا للرئيس سعد الحريري”.
كان الحضور اللبناني في مراكش دليلاً آخر على أن الوطن الصغير يقاوم على طريقته, أنه يقاوم كلّ أشكال الهيمنة على قراره في وقت تمرّ المنطقة في مخاض ليس معروفا ما سيؤدي اليه.
بالمقاومة وحدها، مقاومة وضع اليد على البلد، يستطيع لبنان المحافظة على نفسه. بين ما تشمله المقاومة طرح التحديات كما هي من دون مواربة. المهمّ أن يكون خطاب وزير الداخلية الجديد في مراكش بداية توجّه جديد ينسحب على الحياة السياسية في البلد ويعيد الذين فقدوا رشدهم إلى جادة الصواب.
هؤلاء ينسون أن الجميع في لبنان أقليات وأن السلاح الذي في يد ميليشيا مذهبية تقاتل في سوريا وتسعى إلى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية لا مستقبل له مهما أطلق من شعارات فضفاضة… هي في الواقع استثمار في ترسيخ الشرخ المذهبي وتشجيع على مزيد من الإرهاب!.
خير الله خير الله
لماذا تحتج إيران على الوضوح اللبناني؟ 1133