إن تلك المساحة الشاسعة من سلوكيات وردود الأفعال والآراء التي تصدر عن الإنسان خلال يومه المزدحم بكل أنواع وألوان الصور الواقعية أو الخيالية منها, تلك المساحة هي ما نسميه بالحرية, وهي النصاب المفروض من القدرة على الأخذ والعطاء والتفاعل مع الآخرين لكن وفق شروط حازمة وهي مجموعة القيم والمبادئ التي حددها الدين الحنيف وينظم بقاءها اليوم القانون الوضعي نتيجة الانحراف الشديد عن الصراط المستقيم.
الحرية ليست مبدأ جديد ولا يمكن أن تكون غاية منشودة لأنها موجودة وقائمة ونكاد نمارسها مع كل سلوك نمارسه وندرك معناه ونتوقع نتائجه.
لكن الحرية التي ينادي بها هذا الجيل هي حرية من نوع آخر, قد تكون نوعاً من البحث عن الذات التي لم يجدها الجيل بعد أن حال بينها وبينهم ساسة جعلوا من القوت هماً يحمله هؤلاء على أكتافهم صبح مساء.
وربما كانت الحرية التي يطالبون بها أيضاً شيء من الأمل المفقود ورغبة في الحصول على الثقة التي لم يحصلوا عليها في ساسة وأصحاب قرار وحملة رسالة وكتاب رأي.. لكن ما الفرق بين أن يطالب هؤلاء بالحرية أو يمارسونها, فهذا هو مربط الفرس الذي يغفله أو يتغافل عنه هذا الجيل العريض, ربما لأن حجم وحدود الحرية التي يطالبون بها شيء لا نتوقعه نحن أصحاب الـ (دقة القديمة) في نظرهم.
اليوم نعيش في ظل نظام ديمقراطي متكامل تقريباً, ينظم مبدأ الحرية وفق ضوابط مدروسة ومتوازنة بحيث يبقى كل شخص من الشعب قادر على طرح كل أفكاره ورؤاه وفق نظرته الخاصة للحياة, مستفيداً من رؤى وأفكار آخرين لم يفرضوا وجودهم بالقوة وإنما وفق ضوابط لم توفرها إلا الحرية التي يدعي البعض عدم وجودها بتاتاً.
الديمقراطية الحقة ليس لها ثغرات يمكن استغلالها من قبل من يملكون مقومات الحكم أو السلطة, لأنها تقوم على مبدأ المساواة والتكافؤ والتكامل.
إن ديمقراطية اليوم ليست إلا زاوية ضيقة من زوايا البناء الديمقراطي الحقيقي والذي يصعب على مجتمعات كمجتمعاتنا فهمها بشكلها الخام, ولعل الساسة أدركوا هذا فجعلوا من أنفسهم أوصياء على شعب يملك الأدوات لكنه محروم من امتلاك الفرص, تماماً كمن يمنح سنارة صيد لرجل يعيش في صحراء قاحلة.
إذاً فالحرية يجب أن تكون إحساساً قبل أن يتحول إلى سلوك, وكذلك الديمقراطية يجب أن تكون فرصاً قبل أن تكون مجرد أدوات.
وكلاهما لا يمكن أن يستوعبه شعب لا زال يرى العالم تحت قدميه!
نحتاج كثيراً لمعرفة اللون الديمقراطي الملائم لهذا الشعب, كما أننا بحاجة أكبر لمعرفة النبرة النموذجية لحرية تدفعنا لفهم أنفسنا وفهم الحياة من حولنا دون أن تخلق فينا الإحساس بالعدم.
الحرية إحساس والديمقراطية سلوك, كلاهما ينتهي بها لكن كلاهما أيضاً يبدأ بديناميكية قاهرة تسري في أوصال البدن المثخن بالجراح.
ألطاف الأهدل
ما الفرق بين الحرية والديمقراطية؟ 1434